تقييم لتجربة الصكوك في السوق المحلية
كما هو معلوم أنه ومنذ صدور نظام تداول الصكوك وبدء تداولها وذلك قبل ستة أشهر وبالتحديد في حزيران (يونيو) من عام 2009م، شهدت التداولات ضعفا كبيرا في هذا السوق، حيث إنه وبحسب ما تداولته عدد من المؤسسات الإعلامية فإن حجم التداولات لم تتجاوز قيمتها الإجمالية 30.2 مليون ريال نفذت عبر 54 صفقة فقط طوال ستة أشهر بمعدل صفقة واحدة في أكثر من ثلاثة أيام. بل إن التداول عليها لا يحصل بشكل يومي، بل إنه قد يكون بشكل أكثر من أسبوعي بحسب النظر في تداولاتها عبر موقع تداول، وهذا في الحقيقة يعد مؤشرا سلبيا نوعا ما، إذ إن ضعف تدفقات السيولة إلى هذا القطاع قد يؤدي إلى نوع من القلق فيما يتعلق باختيارات المستثمرين، إذ إن الكثير منهم يرغب في أدوات مالية استثمارية من السهل تسييلها عند الحاجة، والأفضل أن تكون هذه الأدوات منخفضة المخاطر كما هو الحال في الصكوك.
والحقيقة أن الصكوك ورغم أنها أداة استثمارية مهمة، وتعتبر إذا ما نجحت نقلة مهمة في مجال المالية الإسلامية، إلا أن ضعف التداول عليها يبقى أنه مؤشر غير إيجابي، خصوصا إذا ما كان من عامة المستثمرين، إذ إن إتاحة الفرصة لهذه الصكوك للتداول في السوق المحلية تأتي أهميتها في الدرجة الأولى في فتح آفاق جديدة للاستثمار في السوق المحلية بعرض أدوات منخفضة المخاطر، تعطي نوعا من التوازن للمحافظ الاستثمارية المؤسسية أو الشخصية للأفراد، وتتيح مجالا للاستثمار في أداة قابلة للتسييل بشكل ميسر، وفرصة للتنوع في الحصول على التمويل من قبل المؤسسات والشركات الكبرى إضافة إلى القطاعات الحكومية. كما أنها تتيح فرصة أكبر لمشاركة مباشرة للأفراد بدلا من دخول المؤسسات المالية وسيطا في عمليات التمويل والاستثمار مما قد يحقق عوائد أكبر.
والحقيقة أن الصكوك بشكل عام تعد فرصة استثمارية أقل ما يقال عنها إنها جيدة كعوائد منتظمة إذا ما قورنت بأدوات مالية أخرى. فعلى سبيل المثال إذا ما قورنت بالاستثمار في السندات فإن الصكوك تعد البديل الشرعي للسندات التي تعتمد على الإقراض بفائدة، كما أن عوائدها غالبا تتفوق على السندات بمعدل ما يقارب من 6 إلى7 في المائة مقارنة بالسندات التي ربما لا تتجاوز في الأحوال العادية 5.5 في المائة بحسب بعض التجارب في السوق الخليجية. إضافة إلى أنها تعتمد في الأساس على الأصول، وهذا عامل حماية لها خصوصا بعد تفاقم أزمة الائتمان في العالم بعد الأزمة المالية العالمية.
كما أن الصكوك ومقارنة بالأسهم تحقق عوائد معقولة وثابتة تقريبا، في حين أن الأسهم تخضع إلى تقلبات كبيرة سواء على مستوى الأسعار أو العوائد. وهذا واضح من تجربة الأسواق الخليجية في الفترة القصيرة الماضية. وهذا يجعل من الاستثمار في الأسهم على المدى القصير مخاطرة كبيرة.
كما أنها ومقارنة بالاستثمار العقاري، فإن القطاع العقاري لا يزال فيه نوع من عدم الضبط للاستثمارات فيه وإن كان من القطاعات الجيدة في منطقة الخليج، إلا أنه يشهد ارتفاعا كبيرا في وضعه الحالي خصوصا في السوق المحلية، واحتمالات للتغير في التشريعات والأنظمة المختصة به والتي قد تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على الاستثمارات في هذا القطاع، وإن كان لا يُختلف بأنه واحد من الاستثمارات الجيدة. إضافة إلى أن هذا القطاع يتطلب سيولة عالية، مما ربما لا يكون مقدورا عليه لدى المستثمرين أو إنه يفقد المستثمر فرص التنوع في الاستثمارات.
فالحاصل ورغم هذه الامتيازات للصكوك إلا أن ذلك لم يشفع لها لتشهد إقبالا من المستثمرين. والذي يظهر أن هناك أمورا مهمة تعتبر متطلبا لتنشيط هذا القطاع المهم والذي يفتح آفاقا جديدة أمام المستثمرين في السوق المحلية لعل من أبرزها:
إنه لا يزال الوعي بجدوى الاستثمار في هذا القطاع لدى المستثمر على المستوى الشخصي أقل من المطلوب. حيث إن الكثير من المستثمرين يرى مستويات 6 إلى 7 في المائة كعائدات متدنية جدا في ظل الاعتقاد السائد أن بإمكان المستثمر تحقيق أضعاف ذلك في سوق الأسهم أو العقار، مع العلم أن الكثير من المستثمرين قد تكبد خسائر كبيرة في أسواق الأسهم سواء المحلية أو الدولية خلال الفترة الماضية، فحجم العائد الكبير يقابله مخاطرة عالية.
من الأسباب أيضا قلة تناول الفقهاء المعاصرين للقضايا المتعلقة بالصكوك، ولو تمت مقارنة الزخم الكبير الذي شهدته القضايا المتعلقة بالأسهم النقية وغير النقية والمختلطة بمسألة الصكوك لوجدنا أن هناك فرقا كبيرا. مع العلم أن تناول قضايا الأسهم حينها وتوضيح أحكامها أسهم في إقبال كثير من المستثمرين الأفراد نظرا لاتضاح الرؤية الشرعية لديه فيما يتعلق بالاستثمار في الأسهم. مع العلم أن الصكوك وإن كانت في الأساس نشأت على أنها إسلامية إلا أن هناك جدلا كبيرا بين الفقهاء في جواز بعض أنواعها، وخلال الفترة الماضية حدث تغير في آراء عدد من الفقهاء الذين قالوا بجوازها في فترة ما.
كما أن هناك آراء تقول إن هناك حاجة إلى مزيد من الطروحات في السوق ليتم الإقبال على هذه الأدوات، ولكن هناك احتمالا أن يكون هناك قلق من مصدر الصكوك نتيجة لضعف الإقبال على الشراء في السوق المحلية بأن ذلك سيؤثر في الطروحات الأولية لها بعدم الإقبال أيضا على شرائها.
فالخلاصة أن سوق الصكوك يحتاج إلى مزيد من التعريف به بطرق مختلفة، كما يحتاج إلى تناول الفقهاء له بشكل يجعل هناك وضوحا للرؤية لدى عموم الناس خصوصا وأنها قد تجتذب الكثير من الأفراد الذين يبحثون عن أدوات مالية متوافقة مع الشريعة ومنخفضة المخاطر في الوقت نفسه.