العقار بين السوقين العقارية والمالية
قال لي وهو يحك خلفية رأسه بيده بشكل ينبئ عن ضيقه بأنه محتار في وضع العقار في المكاتب العقارية ووضعه في السوق المالية ذلك أن العقار تماسك سعريا في المكاتب العقارية بشكل كبير رغم الأزمة المالية، حيث بقيت أسعار الأبنية من مساكن وعمائر سكنية أو تجارية في نطاقها السعري المعتاد ولم يتجاوز هبوط أراضي المضاربة أكثر من 30 في المائة والتي سرعان ما ارتدت إلى ما كانت عليه في كثير من المناطق، بينما هبطت قيم الشركات العقارية السوقية أكثر من 50 في المائة في السوق المالية وبقيت تتحرك حول هذه القيم، رغم أن العقار أثبت أثناء الأزمة المالية الحالية أنه الذهب الحقيقي بل أثبت أكثر من ذلك، إذ إنه يكاد يكون الأصل الذي حافظ على قيمته الشرائية كما الذهب سواء بسواء عبر أكثر من 30 عاما مضت.
ويضيف محدثي هذا أنه استثمر في أراض بيضاء قبل الأزمة المالية حققت له أرباحا جيدة، بينما استثمر في شركات عقارية مدرجة كبدته خسائر كبيرة رغم أنها تمتلك عقارات مربحة متعاظمة القيمة وتتمتع بإدارات جيدة ووضع مالي مستقر ولها مستقبل باهر حال انجلاء الأزمة المالية العالمية التي بدأت تنقشع غيومها شيئا فشيئا، مؤكدا أنه أمر محير يستدعي التحليل والتشخيص ليستقر على قرار استثماري رشيد.
وأضاف ثان لحيرته حيرة حينما قال له إنك ستجد اختلافا شديدا في مكرر الأرباح للشركات العقارية المدرجة في السوق المالية السعودية (العقارية 32، طيبة 35.8، مكة للإنشاء ـ لا بيانات، التعمير 13.4، إعمار سالب، جبل عمر سالب، دار الأركان 7.1 ) وهو أمر يوحي بما يوحي، فالمكررات الربحية غير متكافئة بل إنها متباعدة بشكل يثير التساؤلات، فيما إذا كان هناك تفاوت في الوصول للمعلومات أو تفاوت في فكر مضارب كل شركة واستراتيجيته.
أحد المراقبين لمعدلات نمو الشركات قال إن شركة دار الأركان هي الشركة الأكثر نموا منذ تأسست حتى الآن إلا أن مكرر ربحيتها لا يعكس ذلك بتاتا رغم احترافية الشركة وقوة إدارتها وقدرتها على التعامل مع الأزمة المالية الحالية، حيث ما زالت أرباحها أكثر من ملياري ريال سنويا ولم توقف أيا من مشاريعها بل إنها طرحت مشروع حي جديد في مدينة جدة، إضافة إلى مشروعي شمس الرياض والتلال في المدينة المنورة وقصر خزام المعني بتطوير بعض المناطق العشوائية في منطقة مكة المكرمة، مستغربا كيفية تفوق سعر شركة جبل عمر على سعر شركة دار الأركان رغم سلبية أرباحها، حيث ما زالت تحقق خسائر.
لم أستطع الصبر طويلا فتدخلت متسائلا: فيما إذا كان القطاع العقاري في سوق الأسهم يشكل القطاع الأكثر جذبا للمضاربين الذين يتصرفون بعقلية مختلفة تماما عن عقلية المستثمر ويعتمدون معايير مختلفة، حيث ينظرون إلى متغيرات آنية وسريعة بهدف تحقيق أهداف بأيام قلائل بخلاف المستثمر الذي ينظر إلى متغيرات طويلة المدى ويهدف لتحقيق أرباح في نطاقات زمنية كبيرة تمتد لسنوات، وكانت الإجابة بكل تأكيد لا، فالقطاع العقاري لا يشكل نجما في السوق المالية مقابل نجوم أخرى يراها المضاربون مثل قطاعات التأمين والتجزئة والاستثمار الصناعي ولكن بكل تأكيد ومن باب تنويع المحفظة لابد لكل محفظة استثمارية قيادية أن تستثمر في هذا القطاع.
فقلت أما وأن الأمر كذلك فلنر كيف يفكر أصحاب المحافظ الكبيرة (صناع السوق) والذين هم من يقودون السوق ولنحاول أن نجد ناظما يفسر أسعار الشركات العقارية في السوق المالية ويفسر هذا التفاوت في مكرر الأرباح الذي جعلنا في حيرة، وعند البحث تبين لنا أن التقارب في مكرر القيمة الدفترية (العقارية 0.96، طيبه 0.88، مكة للإنشاء 0.8، التعمير 0.88 إعمار 1.1، جبل عمر 1.95، دار الأركان 1.08 ) يفسر لنا الكثير من سيكولوجية صناع السوق السعودية وأساس تحديدهم لسعرها السوقي، حيث وجدنا أن التقارب في مكرر القيمة الدفترية يشير إلى أن أساس القيمة السوقية هو السؤال التالي: إذا تمت تصفية الشركة سأحصل على ماذا؟.
فمن الواضح أن القيمة السوقية للشركات العقارية المدرجة أقل أو أكثر من القيمة بنسبة قد تصل إلى 20 في المائة ما عدا شركة جبل عمر التي تكاد تكون قيمتها السوقية ضعف قيمتها الدفترية، وهو أمر مبرر على اعتبار أن شركة جبل عمر هي شركة إدارة أملاك تمتلك أراضي قرب الحرم تضاعفت قيمتها ثلاث مرات منذ تأسيسها، وبالتالي، فإن قيمتها الدفترية العادلة لو تم تغيير المعايير المحاسبية وتم احتساب قيمة أراضيها بسعر اليوم لكانت القيمة الدفترية ثلاثة أضعاف القيمة الحالية، وتم خصم نسبة 33 في المائة تقريبا من قيمتها الحقيقية على اعتبار أن الشركة ما زالت في مراحل تطوير العقارات وما زالت تحقق خسائر.
معرفة أساس تقييم المستثمرين للقيمة السوقية للشركات العقارية المدرجة في السوق المالية أزالت الحيرة وبينت أن المعلومات المتاحة للجميع (القيمة الدفترية للشركة) هي أهم عوامل تحديد السعر السوقي للشركة وأن قوة الشركة من حيث الإدارة والنمو ونوعية المشاريع وتاريخها هو من أهم العوامل لتحديد مكرر الأرباح، كما بين أيضا أنه لا علاقة مباشرة بين قيمة الشركات العقارية المدرجة السوقية وقيمة العقارات في المكاتب العقارية.