المرأة السعودية والتفوق العلمي: الوجه الآخر للحضارة

ليس أجمل من أن تقدم المرأة السعودية نفسها للعالم عبر نافذة العلم، في الوقت الذي تتجه فيه كل الأنظار لمسألة قيادة السيارة، وكأنها أم قضايا المرأة أو مدخلها الوحيد لتحقيق ذاتها وخدمة مجتمعها وأمتها.
حياة سندي، وغادة المطيري، وخولة الكريع وسواهن من العالمات السعوديات، واللاتي أجبرن العالم بأسره على إعادة النظر في تلك الرؤية المقولبة للمرأة السعودية، والتي يتم تسويقها في الإعلام الغربي، وبعض الإعلام العربي للأسف تحت غطاء التخلف.. أو على الأقل الوقوف في آخر الصف.. هؤلاء الشابات السعوديات بتفوقهن العلمي وإنجازاتهن البحثية استطعن أن يُقدمن للعالم الصورة الحقيقية للمرأة السعودية التي نالت قسطا وافرا، وحظا طيبا من التعليم، هن في حقيقة الأمر نماذج حية لما يمكن أن تؤسس عليه الرؤية الموضوعية للمرأة في المملكة، لأن قضية قيادة المرأة للسيارة بقطع النظر عن الآراء المختلفة حولها، لا يجوز أن تكون معياراً أو مقياساً حضارياً وعلمياً لما حققته المرأة يمكن البناء عليه لتكوين رؤية صادقة للمدى الحضاري الذي تحقق لها خلال العقود القليلة الماضية، خاصة أن هذه القضية ومثلما قال الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، منذ سنوات إنها شأن اجتماعي يقرره المجتمع، لذلك فإن من الظلم الذي يبلغ درجة الاعتساف أن يُنظر إلى المرأة السعودية وإلى ثقافتها من هذه الزاوية النمطية التي ترتبط بسلوك المجتمع في مرحلة معينة، لكنها أبدا لا تترجم حجم ثقافته الحقيقية ووعيه العلمي، لأن قيادة السيارة مجرد فعل أداء قد يتسنى للمتعلم وغير المتعلم على حد سواء، وحينما يتم استغلاله بهذه الطريقة لوصف موقع الفتاة السعودية، فهو حتما من باب الحكم على الأشياء بشكلياتها لا بمضامينها.
ولأننا لسنا في وارد مناقشة قيادة المرأة للسيارة، أو الانتصار لهذا الرأي أو ذاك، فإن ما نريد أن نصل إليه هو أن هؤلاء العالمات السعوديات وغيرهن اخترن المعيار الحقيقي والدقيق الذي يمكن أن يُجسد بمنتهى المصداقية ما بلغته المرأة السعودية من الوعي والعلم والنبوغ عبر بوابة العلم، وهي البوابة التي لا تنفتح لجنسية دون أخرى، ولا لسافرة دون محجبة، ولا لمن تقود سيارة أو تقود جملا، بقدر ما تنفتح لمن يؤمن برسالة العلم وأهمية دور المرأة فيه كما الرجل في بناء الحضارة، وخدمة الإنسانية، بصرف النظر عن العادات الاجتماعية وأنماط سلوك المجتمعات، التي تخضع عادة للمتغيرات الزمنية.
إن الإنصاف يقتضي أن نعيد ترتيب أولوياتنا.. لنؤكد أن الشرف الحضاري الذي حققته هؤلاء الفتيات للوطن، ولثقافة المرأة السعودية، ولموقعها الحضاري من خلال منجزهن العلمي هو أكبر بكثير من أي شيء آخر، وهي مسؤوليتنا نحن حتى لا تظل الرؤية لمجتمعنا منغلقة في إطار قيادة السيارة وما شابهها، وكأنها وحدها دون سواها ما سيقدم المرأة السعودية للعالم، بعيدا عن ثقافتها وما وصلت إليه من الوعي والعلم، والقدرة على المنافسة والتفوق في ميادين البحث العلمي الذي سيخلده التاريخ الإنساني بأسمائهن، وبالتالي باسم الوطن والمواطنين نساء ورجالا.
وجملة القول إننا لسنا مع أو ضد قيادة المرأة للسيارة، لإيماننا بمقولة الأمير نايف التي أشرنا إليها قبل قليل، ولكننا نريد فقط أن نطالب بفرز المعايير الحقيقية لتقدم المجتمعات عما سواها من المعايير، حتى لا نرتهن لتلك الرؤى التي يتم تسويقها – للأسف - على حساب المرأة السعودية وما أنجزته في ميادين العلم والثقافة، ولكيلا نمنح الآخرين ممن يسرهم أن نوصم بالتخلف الذريعة لتكريس هذه الصفة الظالمة، والتي استطاعت حياة وغادة وخولة بالعلم وبالعلم، وحده، أن يحطمنها، ليقدمن الوجه المشرق والمتألق للمرأة السعودية التي يجب أن يفخر بها وطنها، وأن يفاخر بها مواطنوها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي