برنامج الابتعاث.. استثمار للوطن

من بواعث الأمل في مستقبل هذه الأمة الاهتمام الفائق الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للاستثمار في برامج التعليم بمختلف درجاته ولجميع أبنائه وبناته في كل بقعة من أرض هذا الوطن. ذلك الاهتمام يأتي في إطار استشراف الملك، حفظه الله، لمستقبل شعبه من منظور تاريخي، فحواه أن التعليم يشكل الركيزة الأهم في التنمية المستدامة للأمم مهما تنوعت ثرواتها أو مشاربها. وكانت الخطوة الأولى نحو تحقيق تلك الرؤية الحكيمة ما أعلنه، أيده الله، قبل نحو خمس سنوات عن إطلاق برنامج عملاق للابتعاث للدراسة في الخارج على حساب الحكومة في تخصصات تحتاج إليها سوق العمل. وقد كتبت يومها في «الاقتصادية» أن هناك قرارات في حياة الأمم تترك بصماتها على مسيرتها، من بين تلك القرارات سيسجل التاريخ قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تشجيع الابتعاث للدراسة في الخارج في مرحلة تسير فيها المملكة نحو المزيد من البناء ورسم مستقبل واعد لأبنائها .
ثم توالت العطايا وتسارعت الخطوات، إذ أنشئت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتضاعفت مخصصات التعليم وأعداد مؤسساته لحد أصبحت وسائل إعلامنا لا تخلو يوما من خبر عن إنشاء جامعة هنا أو مركز بحوث هناك. وقد تولد عن ذلك الإنفاق السخي حراك غير مسبوق على المستوى الوطني في مضمار العلم والبحث بدأت ثماره تظهر في أعمال رصينة أنجزها أبناؤنا وبناتنا في معامل ومختبرات مشهود لها بالكفاية. ومن ثم غدت أخبار الإنجازات العلمية في المملكة تأخذ حيزا مرموقا ضمن اهتمامات المجتمع بكل أطيافه وهو ما يعد تحولا يستحق التنويه.
في إطار تلك المنظومة التكاملية جاء قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم الأربعاء الماضي بتمديد برنامج الابتعاث الخارجي لمدة خمس سنوات أخرى. ذلك القرار يؤكد أن برنامج الابتعاث ليس خطوة تكتيكية، بل عنصر أساس في استراتيجية طويلة المدى، ما يعده الكثير من المراقبين إحدى أهم الخطوات التي أقدمت عليها الدولة في السنوات الأخيرة ضمن منظومة الإصلاحات الاقتصادية والتعليمية . إذ سيفتح للمملكة آفاقا واسعة للحاق بمقدمة الركب في بناء حضارة المستقبل، وسيبني كوادر مؤهلة قادرة على العمل في بيئة منافسة متعددة الأطراف في شتى مناحي الحياة. وهنا لا بد من الإشادة بدور وزارة التعليم العالي في تنفيذ البرنامج وإدارته بدرجة عالية من الكفاية والشفافية.
هناك مكاسب أخرى كثيرة ستجنيها المملكة أيضاً من استمرار ذلك البرنامج لا تقل أهمية عما سبقت الإشارة إليه. من تلك المكاسب مد جسور للتبادل الحضاري والثقافي مع مراكز المعرفة في العالم الجديد. فهؤلاء الآلاف من المبتعثين الذين اختيروا ، كان اختيارهم بناء على تفوقهم في تحصيلهم الدراسي ما يجعلهم مؤهلين لتقديم صورة مشرقة عن وطنهم وأمتهم . وهي رسالة لابد لكل واحد منهم أن يدرك أهميتها بالذات في هذه المرحلة التي يتسابق فيها الناس لكسب أكبر عدد من الأصدقاء.
إن التواصل مع الحضارات الأخرى مشروع دائم لا نهاية له، وهناك دول كثيرة سبقتنا في مضمار العلوم والنمو الاقتصادي، كما أنها تتمتع بمؤسسات تعليمية راقية كاليابان والصين وغيرهما، إلا أنها لم تتخل عن برامج ابتعاث مواطنيها للدراسة في الخارج. ذلك التواصل لا شك أن المملكة أولى به إن أردنا أن نتعامل معهم بندية وحيوية انطلاقا من قيم ديننا الحنيف (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
وفي ذلك السياق فإنني ألتمس من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، الأمر بأن يكون الابتعاث للدراسة في الخارج برنامجا مستمرا وخيارا استراتيجيا في سياسة الدولة التي وضعها لتحقيق تنمية مستدامة للمملكة، والتوكيد على عدم رهن البرنامج بالطاقة الاستيعابية للجامعات المحلية أو أي مبررات أخرى مستقبلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي