لمحة حول أداء المصارف لعام 2009

بعد ما أعلنت المصارف أرباحها لعام 2009 أتت النتائج ممتعة للمراقب ولم تخل من المفاجآت. أعلنت نتائج متباينة في ظل بيئة اعتقد الكثير أن النتائج سوف تكون متماثلة في تعرضها لتقلبات قطاع الأعمال في المملكة، وحقيقة أن المصارف الصغيرة هي افتراضا الأقل تعرضا للعمليات المالية الدولية بعكس المصارف الكبيرة والتي قد تكون أكثر جراءة في الاستثمار في الأوراق المالية العالمية والتي تسببت في خسائر كبيرة للمصارف العالمية الأخرى.
يضاف إلى هذا التباين في الأداء شح في المعلومات (خاصة أن البيانات المالية المنشورة محدودة المعلومات جدا – لعل القادم أفضل) مما يصعب أي تحليل معمق، خاصة في ظل غياب معلومات مدققة عن أداء محفظة القروض ومدى التزام المصارف بتعليمات الإفصاح المتعارف عليها عالميا. إجمالا أتى الأداء مقبولا في ظل حالة التشاؤم التي سيطرت على السوق المصرفية على أثر أزمة مجموعتي القصيبي وسعد. في ظل هذه الخلفية، اللافت للنظر أن أداء المصارف الصغيرة أتى بأقل مما كان متوقعا وأتى أداء المصارف الكبيرة بأفضل مما كان متوقعا. لعل البعض يتساءل بموضوعية إذا ما كانت المصارف الصغيرة أكثر شجاعة في الإفصاح أم أن المصارف الكبيرة أكثر شجاعة في تأجيل الإفصاح؟ وحتى الأداء التشغيلي لم يستعد عافيته على مدى العامين الماضيين.
أتى أداء مجموعتي سامبا والرياض بأرقام تدعو إلى التأمل، خاصة في ظل ارتفاع ملكية الحكومة في هذه المصارف وحجمها الكبير والذي لا بد أن يعّرضها إلى مخاطر مؤثرة نظرا لامتدادها الدولي نسبيا. وأتى أداء مصرفي البلاد والجزيرة مخيفا وكأنهما مصرفان في بلاد أخرى، فبنك الجزيرة استطاع في الماضي ركوب موجة تجارة وساطة الأسهم وبناء رأس "معتبر" إلا أنه فشل لاحقا لأسباب إدارية في الأساس في بناء مصادر تجارية مربحة بديلة، بينما لا يزال بنك البلاد يعاني مزيجا من عدم وضوح الاستراتيجية إلى سوء طالع في الإدارة. ولعل البنك الهولندي في هذه الفصيلة. بين هذا وذاك أتى أداء "الفرنسي" و"البريطاني" و"الاستثمار" وإلى حد ما "العربي الوطني" على درجة من التوازن، عبّرت عن هذا التوازن بزيادة ملحوظة في مخصصات القروض المشكوك فيها والتوقع ضمنيا زيادة هذه المخصصات في الربع الأول من عام 2010. استطاع الاقتصاد السعودي بسبب التحفظ وبسبب استمرار أسعار النفط المريحة تفادي الكثير من إشكاليات الأزمة العالمية، إضافة إلى بيئة مصرفية مريحة من حيث عدد وحجم المصارف إلا أن هذا الأداء لم يمتد إلى أداء المصارف مما يجعلنا نتساءل بحق عن كفاءة بعض إدارات المصارف وأنظمة إدارة المخاطر لديها. عناصر الحل دائما في مزيد من الشفافية وهذه مسؤولية مؤسسة النقد وإدارة مجالس الإدارات التي أصبحت أندية مغلقة وعلى درجة عالية من الحساسية حول الكثير من التساؤلات المهنية. مما يجرنا إلى التفكير في الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الوضعية، فمن ناحية أرى أن عدد البنوك (مناسب) لكي نحافظ على هيكلية قوية لهذه الصناعة المهمة، فتكاثر المصارف في الرياض أو جدة (سوف نتعامل مع هذا الموضوع في مقالة الأسبوع القادم) قد لا يخدم القطاع والاقتصاد في المملكة، ومن ناحية أخرى الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى رفع كفاءة إدارة أغلب المصارف ومزيدا من التدقيق في أعمالهم الداخلية ومنها إعداد بعض الكوادر البشرية. أمام المؤسسة تحدٍ كبير في إيجاد التوازن الصحي بين حماية القطاع وكفاءة إدارة المصارف والتواجد المصرفي في كل المناطق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي