المعلم.. مراحل تعاسة الممارسة!
على اعتبار أن صديقي وصديقكم «نفنف» قد كبر واستحال جامعياً في تخصص تربوي، وتم تعيينه كمعلم في أحد مراكز الإيواء المعروفة تجاوزاً باسم «مدرسة نموذجية- ب». سنبدأ إذاً هذا المقال، ولكن من المهم أن أحذر هنا إلى كون جميع ما سيأتي في هذه السطور هو علمي وموثق ومعترف به.. ولا مدخل للسخرية سوى من باب الموقف المستعار أصلاً من واقع شديد الإضحاك!
المرحلة الأولى: (النضال من أجل البقاء)
وعن هذه المرحلة، يقول تسوي Tsui في واحدة من أهم الدراسات التربوية التي صدرت في عام 2007 وغيرت وجه التدوين العلمي لنفسية المعلم: في هذه المرحلة يدخل الأستاذ «نفنف» في دوامة إثبات الذات المتمثلة في تفاصيل كثيرة ومنها ما يلي: مصارعة بيئة الفصل الدراسي، الشك في القدرات الذاتية، صعوبة الجمع بين التعليم وإدارة الفصل، الانشغال المفرط في ترويض الطلاب المشاكسين (شلة يجلسون في آخر الفصل.. وأحيانا في أوله إن كانت العين قوية)! وهنا سيضطر «نفنف» بصفته معلما حديث التعيين لاستعارة شخصية أكثر معلميه تأثيراً فيه وانتحالها لتسيير الأمور على أرض الواقع. أي أنه سوف يخرج من ذاته ويكون شخصاً آخر غير نفسه. ويعرف هذا المسلك باسم «تعميم الملاحظة».
المرحلة الثانية: (الاستكشاف)
وهي أن ترى «نفنف» بعد شهور من تعيينه يتجول في المدرسة حاملاً عصاه وملوحاً بها.. وقد يضرب بها على باب (3 – ثالث) للتهويش وإعادة النظام، قبل أن يخرج القلم الأحمر لكل عاص ويحيل المشاغبين إلى غرفة الوكيل. وهي مرحلة تتهدم فيها كل المثاليات التي كان يحلم بها هذا الشاب بعد أن توسعت مداركه في المرحلة الجامعية، ولو استمر الحال على ما هو عليه فإن «نفنف» لن ينتقل بسهولة إلى المرحلة التالية والتي تتطلب كثيراً من الثبات.
المرحلة الثالثة: (التوازن والاستقرار)
وفيها تنحسر الشكوك الذاتية بعد أن يدرك «نفنف» أنه ليس الوحيد في هذه المعاناة! فالأستاذ أبوعلي، مثلاً، مر بنفس المشاعر المربكة خلال السنة الأولى من تعيينه.. ولا زال، بعد ثلاثين عاماً من مزاولة التدريس، يمارس الاستياء في كل صباح، ويحدث كل من حوله عن أن الدكتور فلان الذي يكتب في الجريدة ذائعة الصيت هو من دفعته في الجامعة، وأنه كان «يغششه» في مواد الإعداد العام وحتى التخصص! وهذه الماركة الوجدانية وما يتمخض عنها من نصائح تساعد كثيراً على تجاوز مرحلة الاستكشاف السابقة، ومعايشة مرحلة الاستقرار الحالية، والمشوبة بميل نحو الاستسلام.. ولكن بقلق. ويصبح فيها «نفنف» حريصاً على المشاركة في فطور غرفة المعلمين الصباحي المكون عادة من «لطسة» جبن سايل + لقمتين من مربى «الجح» + غرفتين حلاوة طحينية في غطاء الجبن السايل + زيتون أسود مالح.. لاكتمال ملامح الحموضة وحرقان المعدة!!
أدركتني المساحة ..
وللمراحل بقية.. فكونوا معنا.