عندما يكون المواطن سفيرا لبلاده ـ 2

ما زال الحديث عن جهود الأستاذ فهد المقيرن، الرجل الذي عهدناه منافحا عن أهله وبلده مبادرا بحضور المؤتمرات والندوات، ومجاهدا بالدفاع عن مجتمعه، بالكلمة الحسنة والمنطق السليم، إذ لم تثنه أعماله التجارية الخاصة عن القيام بما يمليه عليه ضميره.
ومن أوائل مواقفه الوطنية التي عرفتها، موقفه أمام ديريك بلمبلي السفير البريطاني السابق لدى المملكة الذي طلب الالتقاء برجال الأعمال قبيل حرب أمريكا وبريطانيا على العراق. حيث ألقى السفير خطابا شرح فيه موقف حكومته من الوضع المتأزم مع العراق، وكان واضحا حينها أن غرض السفير هو جس نبض رأي المجتمع المدني لأي حرب محتملة تقودها أمريكا للإطاحة بصدام حسين. وبعد انتهاء السفير من خطابه المستفيض، نهض الأستاذ فهد وارتجل ردا أكد في بدايته للسفير أنه يتكلم أصالة عن نفسه فقط، مؤكدا معارضته لأي حرب تقودها أمريكا وبريطانيا ضد العراق الشقيق، موضحا أن الذي سيدفع ثمن هذه الحرب هم الأبرياء من الشعب العراقي. ثم قال للسفير: إذا كانت المسألة هي الإطاحة بدكتاتور كما تزعمون، فالأولى أن تبدءوا بكوبا التي تبعد 90 ميلا فقط عن الولايات المتحدة!
ثم أخذ الأستاذ فهد بالرد على الحملات التي يشنها الإعلام الغربي على المملكة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، حيث زعموا أن بلادنا هي الدولة الحاضنة للإرهاب، وأن خطباء المساجد يوم الجمعة يحثون الناس على قتل غير المسلمين، وقال للسفير إن المملكة منذ الطفرة الاقتصادية الأولى في سبعينيات القرن الـ 20، استضافت على أراضيها ملايين الوافدين من جميع الجنسيات والأديان، واستضافت أعدادا كبيرة من اللبنانيين أثناء الحرب الطائفية التي استعرت بينهم، وذلك بغض النظر عن ديانتهم أو حتى مذهبهم! وكان العالم يشيد بالأمن في المملكة وبانخفاض نسبة الجريمة فيها بشكل ملحوظ مقارنة بالدول الأخرى. وقد تحدى الأستاذ فهد السفير البريطاني من ذلك المنبر في ذلك اليوم، أن يسمي شخصا بريطانيا أو غربيا واحدا تعرض لاعتداء بعد أية صلاة جمعة، مذكرا أن الأمور يحكم عليها بالأفعال وليس بالأقوال، كما أن ما يرد في بعض خطب الجمعة هو بيان حق المسلمين في الدفاع عن أنفسهم لا المبادرة بالاعتداء على أحد، وهذا حق مشروع لكل الشعوب، فضلا عن أن الأحداث والوقائع تثبت – إن أردنا الإنصاف – أن المسلمين كانوا وما زالوا هم الضحايا لاعتداءات وحشية منذ قرون حتى الآن، وها نحن نرى ما يفعل بهم في فلسطين وما فعل بهم في البوسنة والهرسك. وبعد انتهاء كلمة الأستاذ فهد، قام أحد رجال الأعمال، وأكد للسفير أنه هو وزملاؤه يؤيدون بكل التأييد ما قاله زميلهم فهد المقيرن.
وفي شباط (فبراير) عام 2008م، وبعد محاضرة ألقاها في دبي توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ومندوب اللجنة الرباعية، سأله الأستاذ فهد سؤالا صفق له الحضور كثيرا، تلعثم فيه بلير وعجز عن أعطاء رد مقنع، ثم ضحك وغمغم قائلا علي أن أتذكر كيف علمونا في المدرسة أن نجيب على الأسئلة المحرجة. وكان الأستاذ فهد قد سأل بلير إن كان يرى - كما يقول - صعوبة حل الصراع العربي الإسرائيلي في فترة وجيزة، فلماذا برأيه – وبحكم قربه من عقلية الرئيس السابق بوش الابن – انتظر بوش حتى السنة الأخيرة من ولايته الثانية والأخيرة ليباشر جهوده في حل هذا الصراع؟
ثم بعد محاضرة أخرى ألقاها المفكر الأمريكي الشهير البروفسور فرنسيس فوكوياما في كلية دبي للإدارة الحكومية، في الملتقى نفسه، كان موضوعها عن الديمقراطية، قال الأستاذ فهد في مداخلته رويدك أيها البروفسور، عن أي ديمقراطية تتحدث؟ إن أمريكا تروج للديمقراطية بكثير من الازدواجية:
You are promoting Democracy with a lot of Hypocrisy
ثم أسهب الأستاذ فهد في أعطاء أمثلة لفوكوياما على هذه الازدواجية، وكان مما ذكَر به فوكوياما، كيف أن أمريكا بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) أصرت على انتهاج سياسات وإجراءات طالت بلادنا وحكامنا ومواطنينا وبعض رجال أعمالنا، إضافة إلى ديننا وثقافتنا ونظامنا التعليمي، متهمة الجميع أنهم على علاقة بهذه الحادثة. هذا على الرغم من إدانتنا الواضحة والصريحة لهذه الحادثة رسميا وشعبيا وتأكيدنا أن الفاعلين المفترضين، لا يمثلوننا ولا يمثلون قيمنا وديننا، وليسوا أعضاء في بعثة تعليمية تصرف عليها الحكومة السعودية، كما أنهم ليسوا أعضاء في أي مؤسسة سعودية رسمية أو غير رسمية. في حين أن ما حدث في سجن ''أبو غريب'' من اعتداءات وحشية يندى لها جبين الإنسانية، ومن خروج عن قوانين ساهمتم أنتم في وضعها لتنظيم السجون، وقعت هذه الاعتداءات في أيدي جنود أمريكيين يرتدون الزي العسكري الأمريكي الرسمي، ويستلمون رواتبهم من الحكومة الأمريكية، ويعملون في سجن يقع تحت السيطرة الأمريكية، وبعلم من رؤسائهم. ومع ذلك، قلتم – بعد الفضيحة وصدمة العالم القاسية عندما شاهد صورها – قلتم: إن هذا فعل مجموعة من النماذج السيئة، وسنعالج الأمر! وهذا غيض من فيض عزيزي البروفيسور فالأمثلة كثيرة! فما كان من فوكوياما إلا أن أقر بأن هناك فعلا ازدواجا في المعايير في تعامل الغرب مع المسلمين!
ليس الغرض من هذه المقالات الإشادة بأشخاص بعينهم بقدر ما هو تقديم نماذج جميلة ومواقف رائعة لما يمكن لأي مواطن أن يفعله. ولحديثي جزء ثالث وأخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي