لجنة كارثة سيول جدة ووثائق التأمين (2 من 2)

تحدثتُ في مقالة الأسبوع الماضي عن اللجنة المشكلة بالأمر السامي الكريم بخصوص سيول جدة، وما سيؤول إليه الوضع في ظل وجود وثائق تأمين سارية تغطي الضرر الذي هو من صميم عمل اللجنة.
وحتى يتم فهم هذه الإشكالية فإنه يلزم معرفة المدلول النظامي للتعويض، فالتعويض يعني إعادة المتضرر إلى الحال التي كان عليها قبل حصول الضرر، أي إزالة الخسارة المادية كاملة قدر الإمكان. ولذلك فإن أي نظام لتحسين الوضع المادي للمتضرر ولا يرمي إلى تحقيق هذا الهدف لا ينظر إليه على أنه تعويض وذلك مثل الإعانات والمساعدات والتبرعات سواء أكانت حكومية أو أهلية. وبعض اللوائح لدينا نصت على ذلك صراحة مثل لائحة تنظيم الإجراءات المتعلقة بحصر الإعانات الحكومية للمتضررين من الكوارث الطبيعية حينما نصت على عدم المبالغة في تقدير الخسائر لأن ما تقوم به اللجان المعنية هو إعانة وليس تعويضاً.
وإذا أخدنا ما جرى عليه العمل في شركات التأمين بخصوص التعويض، فإن بعض وثائق التأمين تنص على أنه إذا وُجد تعويض يغطي الضرر الذي نشأت بموجبه المطالبة فإن شركة التأمين تلتزم فقط بدفع الفرق من متبقي التعويض، أي أن مسؤوليتها عن التعويض تبدأ فقط في حدود الجزء الذي لم يتم التعويض عنه. وهناك بعض من الوثائق ينص على أنه إذا وجد نظام تعويض آخر فإن شركة التأمين تعوض عميلها ثم تقوم بعد ذلك بمطالبة الجهة التي يُفترض أن تدفع التعويض.
وفي المقابل، فإننا إذا طبقنا الأمر على مسألة التعويضات بخصوص سيول جدة فهناك إشكالية ستثور حول مسألة جواز أن يحصل المتضررون على تعويضين أو أكثر عن الضرر نفسه، أي أنهم يحصلون مثلاً على تعويض من الدولة بموجب الأمر الملكي الكريم الذي صدر في هذا الخصوص، وكذلك على تعويض من شركة التأمين بموجب وثيقة التأمين المبرمة مع الشركة إن كانت لديهم مثل هذه الوثيقة، أو أن بعضاً منهم يحصل على مساهمات مالية على شكل تعويضات من جهات عملهم، وفقاً لما أعلنت عنه إحدى الشركات العاملة في مجال الاتصالات من أنها ستقوم بدفع تعويضات لموظفيها.
والحقيقة أن حصول المتضرر على أكثر من تعويض عن الضرر نفسه يعد غير جائزٍ من الناحية القانونية، وذلك حتى لا يكون الضرر وسيلة للإثراء فتتحول وظيفة التعويض من جبر للضرر إلى طريقة للتكسب غير المشروع. وبغض النظر عن هذا الإشكال الذي أرى أن اللجنة ستتنبه له فإني أدعوها في المقابل ألا تترك المتضررين ضحية لمماطلة شركات التأمين لهذا السبب أو لتفسيرات الشركات الخاطئة أو لسوء فهم هذه الشركات لمسؤولياتها التعويضية.
كما أنه من المناسب أن تؤسس اللجنة لنظام تعويض عادل وفعّال ومجزٍ وسريع، فصلاحياتها التي خولها إياها ولي الأمر واسعة وما يتوقعه ولي الأمر منها أكبر مما نتصوره نحن. كما أن عملها هو تعويض وليس تقديم إعانات. كذلك لا ينبغي أن تترك الدولة حقوقها المالية في مواجهة شركات التأمين، لأنها من الناحية القانونية تحل محل المتضرر الذي قامت بتعويضه.
ولا يفوتني أن أطلب كذلك من شركات القطاع الخاص التي أعلنت عن تقديم مساعدات مالية لموظفيها الذين تضرروا من سيول جدة ـ وهي بادرة تشكر عليها ـ ألا تسمي هذا الدعم تعويضاً حتى لا يحسب ذلك على موظفيها ويتم استنزاله من التعويض المقرر لهم، أو أن يسيل لعاب شركات التأمين لهذا الإجراء وتعتبره تعويضاً، ولكن يستحسن أن يكون هذا الدعم بصيغة مساعدات أو منح أو أي اسم آخر لا يمت إلى التعويض بصلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي