إدارة مخزون الدم والأنسجة لدى المستشفيات
وصلتني رسالة من صديق يوم الأربعاء 6/1/2010 مفادها ''مريضة.. في حاجة ماسة إلى (60) متبرعاً بالدم هذا اليوم في مستشفى ... . رقم الملف... ولكم الأجر. إذا تعرف أحد في الرياض أرسلها له لعلهم يساعدونها. أرجوكم لا تقف عندكم''. وقد أخذت الرسالة مني وقفات وتأملات وتساؤلات حول وضع الخدمات الصحية في المملكة.
تمثل الخدمات الصحية أهمية وأولوية للمواطن وتحرص الدولة - وفقها الله - على توفير أفضل الخدمات الصحية في جميع مدن المملكة ومحافظاتها، وذلك من خلال جميع قطاعات تقديم الخدمة الصحية ومنها المستشفيات والمراكز الصحية في وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية ومستشفيات الحرس الوطني ومستشفيات وزارة الدفاع ومستشفيات وزارة الداخلية ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومستشفيات القطاع الخاص. وعلى مدى العقود الماضية تم تخصيص ميزانيات كبيرة لتطوير قطاع الخدمات الصحية الحكومية، كما دعمت الدولة المستثمرين في قطاع الخدمات الصحية بقروض ميسرة أسهمت في قيام عديد من المراكز الطبية والمستشفيات الأهلية سعيا لتحقيق الأهداف المنشودة وأهمها رفع مستوى الخدمات الصحية في المملكة. وبقراءة سريعة لما تم إنجازه في هذه القطاعات نلاحظ عدم تحسن الخدمات الصحية وتذمر وشكوى المواطن في هذا الاتجاه. ويمكن الوصول إلى النتيجة نفسها، وهي معرفة ضعف الخدمات الصحية، وذلك بمقارنة وضع الخدمات الصحية في المملكة بتلك الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. وكلنا أمل في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - ومع تولي إدارة جديدة لوزارة الصحة بإحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات الصحية في المملكة وجودتها. ولا شك أن ملف الصحة يمثل تحدياً كبيراً لعدة أسباب من أهمها عدم وجود رؤية وخطة تطوير طويلة الأجل والتراكم الزمني للمشكلات وتوزع مصادر تقديم الخدمات الصحية بين عدة قطاعات. ولعل من أهم متطلبات هذه الملف مراجعة وتقييم مدى توافر عوامل النجاح على مستوى الإدارات الصحية العليا يليها العمل على تطوير خطة استراتيجية شاملة للخدمات الصحية المقدمة من جميع القطاعات الصحية سواءً الحكومية أو الخاصة في المملكة. وسنناقش هذا الملف في مقالات مقبلة - إن شاء الله.
وقد يكون من المجدي الآن العمل على تنفيذ عدد من المشاريع الصحية التطويرية التي تتصف بانخفاض تكلفتها وقصر فترة تنفيذها وإمكانية الحصول على مردود إيجابي سريع من تنفيذها. وأهم متطلب لهذا النوع من المشاريع ألا تتعارض مع الخطط الاستراتيجية لتطوير الخدمات الصحية. وهناك عدد من الخدمات الصحية التي تصب في هذا الجانب منها على سبيل المثال إدارة مخزون الدم والأنسجة لدى المستشفيات.
ولا يخفى علينا ما تواجهه المستشفيات العامة والخاصة من صعوبات في قلة ومحدودية كميات الدم والأنسجة المتوافرة لديها والتي تساعد ـ بمشيئة الله ـ في إنقاذ حالات مرضية كثيرة سواء كانت نتيجة أمراض عضوية أو حوادث أو حالات النزيف الداخلي عند الولادة. ولا شك في أن الوضع الحالي والمتمثل في صعوبة الحصول على الأنسجة والدم المطلوب قد يكون سبباً مؤثراً في وفاة بعض المرضى التي يمكن تجنبها ـ بإذن الله. وهناك عدد من حالات الوفاة تم إرجاعها لعدم توافر كمية الدم المطلوبة أو فئة الدم المناسبة أو الأنسجة المطلوبة في الوقت المناسب. ويكفي أن نعلم بأن النزيف يعد من أهم أسباب وفاة النساء عند الولادة في المملكة. كما أن هناك حالات تتطلب توافر نوع نادر من الدم يصعب الحصول عليه في أي وقت، مما قد يؤدي إلى حدوث وفاة المريض. وتصبح العملية أصعب في المناطق النائية والبعيدة عن المدن مما يؤثر سلباً في مدى توافر وسلامة الدم للمرضى.
ولفهم الوضع الحالي وشرح أسباب محدودية كميات الدم والأنسجة لدى المستشفيات المحلية لا بد لنا أولا من إلقاء الضوء على طريقة وآلية حصول المستشفيات على الدم من المتبرعين. بشكل عام، يقوم كل مستشفى على حدة بالبحث عن متبرعين بالدم من خلال عدة طرق وأساليب. ومن أكثر أساليب الحصول على متبرعين بالدم قيام بعض المستشفيات بحملات تبرع ميدانية خصوصاً في المدن الكبيرة وذلك بالذهاب للمجمعات التجارية أو المدارس أو الجامعات وغيرها. وينتج عن هذه الحملات الحصول على كميات كبيرة نسبياً مقارنة بالاحتياجات الوقتية. ويعيب هذه الطريقة ارتفاع تكلفة التشغيل والتنقلات وصعوبة الجدولة ومتطلبات التنسيق مع الجهات المعنية للحصول على تصاريح وغيرها. كما أن المستشفيات تطلب من أقرباء المرضى، والذين هم في حاجة إلى التبرع بالدم، بالتبرع كوسيلة أخرى للحصول على متبرعين. فليس من غير المعتاد ورود اتصالات ورسائل بين الناس طلباً وبحثاً عن متبرعين بالدم لإنقاذ قريب أو قريبة. وهناك أشخاص يقومون بالتبرع بالدم بمبادرات شخصية. وكل هذه الأساليب وغيرها تظل غير كافية خصوصاً في الأوقات الحرجة.
كما يجب التنويه إلى أن هناك عددا من العوامل المؤثرة في جودة الدم والأنسجة من أهمها أن هناك فترة زمنية محددة لصلاحية تخزين الدم والأنسجة بعدها يصبح الدم غير صالح. ومن ضمن العوامل الأخرى مدى قدرة المستشفيات المالية والبشرية على توفير الأجهزة الطبية الخاصة بتخزين الدم والأنسجة. وقد تؤثر هذه العوامل أو تحد من الاستفادة من كميات الدم التي يتم الحصول عليها بالطرق التقليدية.
وتتفاوت المستشفيات في قدراتها على توفير الدم والأنسجة بالكم والوقت المناسب متأثرة بعدة عوامل منها الموارد المالية والخبرات الطبية المتخصصة. في المقابل فإن الحالة المرضية التي تستدعي توفير كمية من الدم من فئة معينة قد تحدث في أي مكان وفي أي زمان خصوصاً في حالات إصابات الحوادث سواء سيارات أو حريق وغيرها. وفي بعض هذه الحالات يتم نقل المريض إلى أقرب مستشفى والذي قد لا يملك الكمية المناسبة أو الفئة المناسبة مما قد يؤدي إلى تضاعف الحالة وقد تصل في بعض الحالات إلى الوفاة. وتقوم بعض المستشفيات بشكل غير منتظم بالاتصال بمستشفيات أخرى وطلب تزويدها ببعض الكميات من الدم. وتمثل هذه الاتصالات اجتهادات خاصة بكل مستشفى ولا ترقى بأي حال من الأحوال إلى عمل مؤسسي أو مستوى عال من التنسيق والتكامل بين المستشفيات.
ومن أهم العوامل المغيبة في منظومة إدارة التبرع بالدم والأنسجة أن جميع المستشفيات تتنافس على مصدر واحد وهو الإنسان، بمعنى آخر هناك عدة جهات طالبة للدم والأنسجة بينما هناك جهة واحدة مزودة لها. ومع العوامل التي تم التعرض لها أعلاه تصبح عملية إدارة الدم والأنسجة في المملكة غير مجدية من الناحية العملية والمتضرر الأكبر هو المريض.
وهناك عدة مبادرات ومشاريع صحية توسعية حالية ومستقبلية في عدة مجالات منها عمليات فصل التوائم ومراكز زراعة القلب وعلاج الأورام وغيرها مع أن هناك حاجة ملحة للتركيز على مشاريع تمثل أهمية كبرى وتعد متطلبا أساسيا لتوفير الخدمات الصحية الأساسية وأولها موضوع إدارة بنك الدم والأنسجة في المملكة.
ونعتقد بأن إدارة مخزون الدم والأنسجة في المستشفيات لكي تكون فاعلة في حاجة إلى إنشاء مركز وطني للدم والأنسجة يمثل حلقة الوصل بين جميع مستشفيات المملكة. وهذا النموذج معمول به في عدد من الدول المتقدمة في المجال الطبي ومنها الولايات المتحدة وكندا. ولتنفيذ هذا المقترح يجب العمل أولاً على صنع نموذج يمكن الانطلاق منه بالتعاون مع المجلس الأعلى للصحة .. وللحديث بقية.