نيبال على مفترق طرق استراتيجي
أدى الإضراب الوطني الذي استمر ثلاثة أيام، وقادته المجموعة الماوية إلى شل نيبال التي تعاني التمزق، حيث إن ديمقراطيتها الوليدة تقف الآن على مفترق طريق استراتيجي. وقد تدهورت العلاقات بين نيبال والهند، كما أن النفوذ الصيني في نيبال يشهد حالة من التمدد السريع، الأمر الذي يعني أن البلاد أقل استقراراً مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. وأما ما إذا كان بإمكان هذه البلاد أن تنجو من حالة الاضطراب التي تسوده، وكذلك الصراع الشديد على السلطة، فيعتمد بصورة أساسية على ما إذا كان بإمكان زعمائه السياسيين الارتقاء إلى مستوى مواجهة التحدي المتمثل في ضرورة وضع حد لصراعهم المستمر، وكذلك على ما إذا الماويون ينوون التصرف كقوة سياسية وطنية، بدلاً من مجموعات ميليشيات مقاتلة وراغبة في السلطة مما يجعلها تفضل اللجوء إلى السلاح، بدلاً من الجلوس للتفاوض حول موائد التفاوض.
كان العقد الأول من القرن الـ 21 عقداً مليئاً بالاضطراب في نيبال. فبعد عامين من البطش الذي مارسه ملك يؤمن بمقولة لويس الرابع عشر ''أنا الدولة، والدولة أنا''، جاءت الصحوة الوطنية التي تمثلت في انتخابات عام 2006، حيث بدأت البوادر الديمقراطية الأولى في نيبال. غير أن ثورة الربيع الشعبية لم تكن من الشمول، حيث تفتح آفاق الاستقرار في هذا البلد الآسيوي المضطرب. وقد اضطر الملك غياندرا أمام زحف الشعب، وتطويقه لقصره إلى رفع الراية البيضاء، والتخلي عن حكم البلاد، وعن ثرواته الكبيرة غير المستحقة.
لقد رحب شعب نيبال، وأبدى درجة عالية من الابتهاج بالتخلص من الحكم المستبد. واستبشر الناس بانتقال السلطة إلى تحالف الأحزاب السبعة بزعامة رئيس الوزراء، جي. بي كويرالا، في وقت كان فيه الزعماء السياسيون للبلاد قد فقدوا الثقة من جانب الشعب منذ سنوات طويلة. وكان الماويون الذين يسيطرون على مناطق واسعة من ريف البلاد، قد أعلنوا عن موافقتهم على وقف لإطلاق النار، ولكنهم فرضوا مقابل ذلك عدداً من الشروط الصعبة، منها ضرورة انتخاب جمعية عامة جديدة، وكذلك إطلاق سراح رفاقهم من السجون في كل من نيبال والهند. غير أن شهر العسل هذا لم يدم إلاّ لفترة قصيرة، حيث بدأت الخلافات تدب في أوصال تحالف الأحزاب السبعة إزاء وسائل جلب الماويين صوب المشاركة في السلطة الوطنية. وعلى الرغم من إجراء الانتخابات، وجعل برا شاندا رئيساً للوزراء، إلا أن الحكومة لم تبق في الحكم لفترة تكفي لإعداد دستور للبلاد حيث يعكس أوسع صورة من التوافق الوطني. وبذلك استمرت حالة الفوضى في هذه المملكة في جبال الهملايا التي كان يعتبرها الملك السابق ملكاً خاصاً به.
لقد أدت السياسة المزدوجة للهند في تأييد الديمقراطية الحديثة على أساس التصالح من النظام الملكي إلى جعل الملك مبالغاً في الرضا عن قدراته، كما أنها عملت على إشعال نيران الغضب بين صفوف الشعب. ورغم أن الهند لا تتدخل في الشؤون الداخلية لجارتها الشمالية، إلا أنها أعلنت، وبكل وضوح، أنها تقف في صف الديمقراطية. وواضح أن الهند ستعارض أي محاولة من الماويين للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح. غير أن هناك جهات محلية داخل الهند تقول إن نيبال مرشحة للمزيد من الاضطراب السياسي، وأن ذلك يمكن أن تكون له انعكاسات وآثار ضارة داخل الهند. وترى هذه الجهات أن استمرار حالة عدم الاستقرار في نيبال يعمل على تعقيد العلاقات الخارجية للهند.
وعلى الرغم من الجوانب السلبية لاستمرار حالة عدم الاستقرار في نيبال، فإن الهند لم تقم بأي تحرك يهدف إلى السيطرة على الحدود بين البلدين. وإن الحدود المفتوحة، والتكامل الواضح بين الاقتصاديين، يخدمان شعار ''دولتان وشعب واحد''. والحقيقة أن مكونات هذه العلاقة تمتد إلى قرون بعيدة من التكامل الاقتصادي، والثقافي، والتاريخي، والاعتماد المتبادل في كثير من شؤون الحياة. غير أن هناك عددا من القوى التي حاولت خلال السنوات الأخيرة الإساءة إلى العلاقات الراسخة بين البلدين، حيث إن جهات خارجية كانت تضغط على تلك القوى المحلية. وحين كان الماويون في السلطة، امتد النفوذ الصيني، وكذلك تأثير بكين في عديد من شؤون نيبال.
وإذا ما قدر لعدم الاستقرار في هذه البلاد أن يستمر، فإن سبب ذلك هو تصميم الماويين على حكم البلاد بطريقة استبدادية، وأحادية تحت حكم شيوعي. وهم يرفضون التخلي عما يسمونه بثورتهم، كما أنهم متمسكون بالعنف كسبيل للوصول إلى السلطة. وهم إضافة إلى كل ذلك مراوغون في علاقاتهم، حيث لا يمكن للجهات الأخرى في البلاد أن تثق بهم. وقد سبق لرئيس الوزراء أن كشف عن أن الماويين ضاعفوا عدد مسلحيهم خمس مرات، وأنهم يخططون للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح. وواضح أن الهدف الرئيس للماويين هو السلطة، سواء من خلال صناديق الانتخاب إذا كان ذلك ممكناً، أو من خلال اللجوء إلى السلاح لفرض نظام شيوعي متشدد على نيبال.
وإذا كانت حالة الفوضى التي تسود نيبال لا تتحسن، إلا أنها كذلك لا تتجه نحو الأسوأ، مع أن الجمعية العامة على وشك الانهيار. وقد ظلت المؤسسات الحكومية مشلولة من جانب تلك الجهات الحريصة على عدم قيام تلك المؤسسات بواجباتها الوطنية الرئيسة، وبالتالي ظل توازن السلطات المحلية في حالة من الاضطراب على الدوام. وتزداد الصراعات بين عدد من الأعراق المحلية بصورة مستمرة. والحقيقة أن الاتجاه الشعبي العارم ضد الملكية، وكذلك بروز حركة الماويين، هما عاملان لا يخدمان توجهات الاستقرار على صعيد نيبال.
إن تطورات الوضع الداخلي في نيبال تظهر بصورة واضحة لدى جارتها الهند، حيث هناك خطاب حماسي قوي ضد الهند، وتوجه خاص للماويين، مع حالة من عدم الاكتراث لدى زعماء عدد من الأحزاب السياسية. ومن المعروف أن لدى الحركة الماوية المحلية روابط قوية مع الماويين الناكسلايت في الهند، حيث إن ذلك أمر مترسخ منذ فترة بعيدة، كما أن هناك عدداً من الوثائق التي تثبت ذلك. ويؤدي هذا الارتباط الوثيق إلى العديد من المشكلات التي تبرز بين الحين والآخر على صعيد العلاقات بين الهند ونيبال. وتمثل العلاقات بين الماويين في البلدين تحدياً مستمراً للهند. ويشجع هذا الوضع الصين على استغلال الموقف لمواجهة النفوذ الهندي القوي في نيبال. وما من شك كذلك في أن نيبال تعد أرضاً خصبة، وملاذاً للمقاتلين في الدول المجاورة، حيث لا يمكن استثناء باكستان من ذلك.
وترعى الصين حملة خارجية منظمة ضد التعاون القائم بين الهند ونيبال. واستطاعت الصين زيادة تأثيرها المحلي من خلال عدد من مشاريع البنية التحتية في المنطقة الحدودية الفاصلة بني الهند ونيبال. وقامت وفود رسمية صينية عديدة بزيارات منتظمة لنيبال خلال العامين الماضيين. ومن المنتظر أن يتم التوقيع كذلك على معاهدة صداقة جديدة بين البلدين. وسمحت سلطات نيبال للصين بإنشاء عدد من المدارس التي تدرس لغة الماندرين في المناطق الفاصلة بين الهند ونيبال. ولا يستطيع الطلاب الهنود الاستفادة من هذه المدارس. وقد شوهد عدد من العملاء الصينيين وهم يجوبون مناطق الحدود الهندية النيبالية. وواضح أن النفوذ الصيني المتزايد في نيبال لا يخدم مصالح الهند وعلاقاتها مع هذا البلد.
وإذا استطاع الماويون الوصول إلى السلطة في نيبال باستخدام القوة العسكرية، فإن ذلك سيتضارب مع المصالح الوطنية العليا للهند. وعلى الرغم من أن ذلك ليس متوقعاً خلال فترة قريبة، إلا أن الظروف البعيدة عن الاستقرار في نيبال تجعل من الصعب على المجتمع الدولي أن يكون واثقاً بالزعامات السياسية في هذا البلد الآسيوي. ويخشى المجتمع الدولي من أن زعماء نيبال ليسوا قادرين على مواجهة العاصفة السياسية حيث ينجحون في قيادة سفينة بلادهم إلى بر الديمقراطية.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinionasia