الرياض وأنقرة .. رؤية سياسية واقتصادية مشتركة
هناك تفاهم بين الدول الصاعدة في مجموعة العشرين، وعلى الأخص المملكة وتركيا، حيث هناك روابط تاريخية وروحية وثقافية، واليوم يدعم كل ذلك مصالح اقتصادية وموقع سياسي وجغرافي يفرض رؤية مشتركة في القضايا الحاسمة، فالوضع الذي خلقته منظمة التجارة العالمية والمكانة التي حققتها لذاتها، بحيث أصبحت أهم المنظمات الدولية على الإطلاق، بل أكثرها تأثيرا في حياة الشعوب ومعيشتها ومصالحها، كل ذلك إنجاز تراكمي لدول الاقتصادات الصاعدة وهو ليس إطارا نظريا لأن الحكومات ذات الرؤية المشتركة تسعى إلى تطوير أساليب ووسائل المواجهة ضد الآثار المترتبة على تحرير التجارة، وعندها لن تكون التجارة قد تحررت بل تزايدت معوقاتها ليتحول الأمر برمته إلى مساومات مريرة بين الدول الصناعية والأكثر تأثيرا في حركة الاقتصاد العالمي ليكون للمختصين والخبراء في تبادل الثروات فيها دور رأس الحربة في نخل تلك الكومة الضخمة من الاتفاقيات والتفتيش عن أي ثغرة أو فرصة لبناء خطوط دفاعية وتقليل مكاسب الآخرين من جراء فتح أسواقهم.
إن أزمة الاقتصاد العالمي ومأزقه الحالي فرضا إدخال قوى جديدة ومؤثرة لتسهم في قيادة الاقتصاد العالمي والمشاركة في تحمل المسؤوليات فيه، فتحرير التجارة الفعلي كفيل بتحسين الأوضاع المعيشية في كثير من مناطق العالم وإتاحة الفرصة للأموال والثروات لكي تتحرك وتبحث عن مواقع أفضل، والأهم من ذلك أن الدول ستضع في اعتبارها أن توفير بيئة خصبة وصالحة لتنشيط التجارة وجلب رؤوس الأموال وتحسين القوانين وتخفيف التدخل في شؤون التجارة ستوفر على الحكومات ذلك التدخل المتواصل وما يفرضه من تكاليف، كما ستلقي عبئا على القطاع العام ليكون القطاع الخاص هو الأمل للحكومات والشعوب معا.
لقد أصبح واضحا أن بناء قنوات دائمة للتواصل بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، أمر في غاية الأهمية، فالمملكة وتركيا عضوان في غاية الأهمية في جميع شؤون المنطقة، وبالذات السياسية والاقتصادية، حيث توجد الهموم المشتركة التي تتطلب التعاون الجاد، ولعل زيارة معالي وزير الخارجية التركي وحديثه الصريح للصحافة السعودية وما تضمنه ذلك الحديث من تأكيد على الثوابت والمصالح والمواقف الموحدة تأتي لخدمة الغايات المشتركة في حماية الحقوق لشعوب المنطقة والدفاع في خط واحد عن تلك الحقوق، بل البحث عن شركاء لتحقيق الغاية ذاتها من دول المنطقة والدول الراغبة في وضع العدالة والإنصاف في موضعهما بعد أن استحكمت في إدارة العالم أنانية اقتصادية واستعلاء سياسي لحساب طرف ضد عدة أطراف.
إن الاقتصاديات الوطنية تعاني أزمات متنوعة يجمعها أنها حديثة التكوين وتأثرت بما وراء الحدود ولعل الرافضين لتحرير التجارة والعولمة كانوا الأقرب إلى إعطاء الصورة الصحيحة عن المستقبل، خصوصا للدول ذات الاقتصادات الناشئة وربما كان الخوف من الآثار السلبية لتحرير التجارة هو العنصر الرئيس في حركة المعارضة التجارية ومع أن هناك من يرى أن تحرير التجارة شيء والخلاف حول السيطرة على السوق العالمي المفتوح شيء آخر، خصوصاً بعد أن تحولت منظمة التجارة العالمية إلى ميدان تنافس محموم بين الأقطاب الثلاثة فيها، حيث فقدت المنظمة دورها التنسيقي والتعاوني وتحولت إلى ميدان لتنظيم الشجار التجاري بين الأعضاء الأقوياء وهم الأكثر تأثيراً سلبا وإيجابا ومع أنهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن الأضرار الفادحة بالبيئة، فإنهم أول المنسحبين من تحمل مسؤولية معالجة الكون من سموم إنتاجهم الصناعي، ولعل الجهود الموحدة والمواقف الثابتة بين أصحاب الرؤية الواعية هي الأقدر على لعب دور بارز في المستقبل القريب من خلال مواقف موحدة، وإن الرياض وأنقرة تسيران في طريق واحد لتحقيق هذه الغاية الشريفة والمشروعة.