مشروع«التعداد».. الحاجة ملحة لمركز المعلومات الوطني
تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط من خلال مصلحة الإحصاءات العامة بمشروع التعداد العام للسكان والمساكن لعام 1431هـ (2010 م). وقد سبق القيام بالمشروع نفسه في سنوات سابقة آخرها عام 1425هـ. ويتمثل مشروع التعداد بشكل مختصر من خلال قيام موظفي مصلحة الإحصاءات العامة ومتعاونين يعملون بنظام جزئي، بزيارات ميدانية للمنازل للحصول على بيانات سكانية ومكانية (جغرافية) مثل عدد سكان المنزل والجنس ونوع السكن وعدد الغرف والمستوى الاقتصادي وغيرها. وتتمثل مخرجات المشروع في تقرير التعداد السكاني والمكاني (الجغرافي) في وقت زمني محدد، حيث يتم استخدام هذه المعلومات كمدخلات في إعداد الخطط الخمسية وخطط التنمية في المملكة.
كما أن هناك مشكلة احتمالية عدم صحة أو دقة بعض البيانات التي يتم تجميعها بسبب صعوبة التحقق من صحة البيانات المعطاة من السكان – مواطنين ومقيمين. فحسب آلية وطريقة تجميع البيانات التي تقوم بها فرق المسح الميداني، يتم الاعتماد على البيانات التي يوفرها المواطن والمقيم، وقد تكون غير صحيحة أو غير مكتملة حسب تعاون ورغبة مزود البيانات.
ومن الملاحظ أن طريقة وآلية إجراء المسح السكاني لم تتغير على الرغم من تطور وسائل تقنية المعلومات والاتصالات وتطوير أنظمة معلومات متغيرة وفورية غنية بالبيانات التي يسعى مشروع التعداد لتجميعها. ومن أهم مصادر المعلومات في المملكة ذات العلاقة بالبيانات السكانية والمكانية ما يقوم به مركز المعلومات الوطني فيما يخص إدارة وتحديث بيانات المواطنين والمقيمين وأمانات المدن التابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية فيما يخص بيانات المساكن.
فمركز المعلومات الوطني يتضمن بيانات شخصية فورية للمواطن والمقيم يتم تحديثها من خلال العمليات اليومية مثل بيانات المهنة والعمر والولادة والزواج والدخول والخروج للمواطن والمقيم وغيرها. وبالتالي يمكن الحصول على عدد من التقارير الاستراتيجية والتشغيلية الدورية والفورية مثل عدد السكان الإجمالي وعدد السكان حسب العمر والجنس والمنطقة والمهنة ونسبة المقيمين إلى المواطنين وغيرها من المعلومات الحيوية. وهذه المعلومات يمكن استخدامها في التخطيط الاستراتيجي مثل تحديد الوظائف المستقبلية في مجالات ومستويات مختلفة وتخفيض نسبة العمالة غير السعودية وتخطيط المدن وغيرها. وفي الوقت الحالي يتم استخدام البيانات المخزنة لدى مركز المعلومات الوطني بطريقة تجارية من قبل القطاع الخاص والعام كمصدر لتدقيق البيانات مثل التأكد من هوية المكتتب في الأسهم أو التأكد من هوية المقيم وغيرها. وهنا نطرح التساؤل التالي: لماذا لا يتم الاعتماد على البيانات التي يملكها مركز المعلومات الوطني كأساس ومنطلق لتطوير معلومات سكانية ومكانية ذات قيمة معلوماتية عالية يمكن لوزارة الاقتصاد والتخطيط الاستفادة منها؟
وعندما نقيم وضع وآلية تنفيذ مشروع التعداد يتضح أن استراتيجية ومنهجية العمل في المشروع في تجميع البيانات السكانية والمكانية تتم وكأن البيانات المنشودة غير متوافرة أصلاً أو لا يمكن الاعتماد على مصادر هذه البيانات. فالبيانات التي يهدف مشروع التعداد إلى تجميعها من خلال المسح الميداني هي حقيقة متوافرة بصيغة رقمية ومحدثة لدى مصادر وأنظمة معلوماتية مثل مركز المعلومات الوطني الذي يحتوي على ثروة معلوماتية ضخمة واستراتيجية. ويمكن استخدام هذه البيانات كأساس يمكن الانطلاق منه في مشروع التعداد.
أما بالنسبة للأمانات فتهتم من خلال البلديات المحلية بتقديم تصاريح البناء للمساكن بأنواعها إضافة إلى تخطيط المدن. وتتوافر بيانات المساكن وغيرها لدى البلديات بصيغ ورقية ورقمية. فهناك بيانات عن أنواع المباني وأعداد الغرف والبيانات الخاصة بملاك المباني والبيانات المكانية (الجغرافية) للمواقع. وبالنسبة للتغيرات في ملكية العقار فإن وزارة العدل من خلال كتابات العدل تملك بيانات محدثة توضح المالك لعقار معين في أي لحظة. أما بالنسبة للمستأجرين فتملك المكاتب العقارية بيانات محدثة للمستأجر خصوصاً رقم البطاقة المدنية أو الإقامة. وهنا نطرح تساؤلا مماثلا لما تم طرحه بخصوص مدى الاستفادة من البيانات الموجودة لدى مركز المعلومات الوطني: لماذا لا يتم الاعتماد على البيانات المتوافرة لدى الأمانات والبلديات كأساس ومنطلق لتطوير معلومات مكانية وسكانية ذات قيمة معلوماتية عالية، إلى جانب البيانات المتوافرة من مركز المعلومات الوطني، يمكن لوزارة الاقتصاد والتخطيط الاستفادة منها؟
وهنا يتضح جلياً توافر بيانات سكانية ومكانية جغرافية محدثة يمكن لأي جهة أخرى أو مشروع وطني الاستفادة منها ولكنها متوزعة بين عدد من الجهات الحكومية ولا يوجد أي تنسيق معلوماتي أو ربط آلي بينها. وهناك جهود مبذولة داخل كل جهة على حدة لتحديث بياناتها الخاصة بها ولكنها تظل معلومات محدودة وتخدم غرضا محددا – مرة أخرى مثل التأكد من هوية شخص ما. في المقابل، لا يمكن استخدام الأنظمة المعلوماتية الحالية للحصول على بيانات شاملة وفورية متغيرة حسب الأحداث. والمحور هنا عدم توافر نظام معلومات شامل يتم من خلاله الحصول على جميع المعلومات المطلوبة سواءً كانت سكانية أو مكانية أو غيرها. ومن أهم العوامل المؤثرة في عدم وجود نظام معلوماتي شامل غياب التنسيق بين الجهات المالكة للبيانات واستمرارية هذه الجهات في العمل على تطوير أنظمتها المعلوماتية بشكل منعزل عن الجهات الأخرى. ويظل موضوع محدودية وأحيانا عدم التنسيق بين الجهات الحكومية في المشاريع الاستراتيجية والتشغيلية, ومنها مشروع التعداد، من أهم العقبات التي تواجه خطط التنمية في المملكة وتتسبب في خسائر مالية عالية.
ومن خلال هذا الاستعراض السريع للوضع الحالي لمشروع التعداد في ظل وجود جهات أخرى تقوم فعلياً بمهام توفير المعلومات نفسها التي يسعى مشروع التعداد لتوفيرها يمكن طرح عدد من التساؤلات. أولاً: ما الهدف من مشروع التعداد ؟ ثانياً: إذا كان هدف المشروع تحديد البيانات السكانية والجغرافية للمملكة فهل هناك مصادر أخرى لهذه البيانات؟ ثالثا: في حالة وجود مصادر أخرى للبيانات نفسها، هل الحصول على هذه البيانات من هذه المصادر أفضل من الطريقة الحالية المتبعة في مشروع التعداد؟
وكما وضحنا فإن البيانات السكانية والمكانية التي يسعى مشروع التعداد إلى جمعها يمكن الحصول عليها من خلال التنسيق بين الجهات التي لديها المعلومات المطلوبة. وبالتالي فإننا نرى أن تكون هذه المعلومات نقطة الانطلاق لتخطيط وتنفيذ مشروع التعداد. وقد يكون من الأجدى إعادة النظر في آلية وطريقة تنفيذ مشروع التعداد في ظل وجود المصادر المعلوماتية للبيانات التي يسعى مشروع التعداد نفسه إلى تجميعها وتحليلها والعمل على تطوير خطة استراتيجية للمشروع.
وقد يكون الخيار الاستراتيجي في التعامل مع احتياجات برامج التخطيط والتنمية يتمثل في إنشاء نظام معلومات وطني يعنى بالبيانات الشخصية والمكانية. ويمكن لمركز المعلومات الوطني أن يلعب دوراً محورياً في تطوير مثل هذا النظام بالتنسيق بين الجهات التي لديها المعلومات المطلوبة. ويمكن الاعتماد والاستفادة من تجربة المركز على مدى عدد من السنوات في بناء نظام المعلومات الوطني. ويجب التأكيد على ضرورة تطوير خطة استراتيجية لنظام المعلومات الوطني كمرحلة سابقة لإنشاء وتشغيل النظام.
وللحديث بقية...