حماية الأراضي الحكومية .. ضرورة التنظيم والرقابة
سرقة الأراضي الحكومية أو الاستيلاء عليها بالتعدي معاناة يومية لمعظم الأمانات والبلديات في مناطق المملكة، بل إن معظم مشكلات المواطنين مع البلديات يدور حول التعدي على أراضي الحكومة بوضع اليد دون مسوغ شرعي وقانوني وهذه الظاهرة متجددة ويمارسها من ليس له نفوذ ومن ليس له سوى القدرة على البناء ليلا بسور لإيهام الغير بحقيقة تملكه الأرض الحكومية، حيث يصعب التعرف على حقيقة الحال سوى من موظفي الأمانات والبلديات المختصين الذين لديهم المخططات للأراضي البيضاء غير المملوكة ملكا خاصا، ومع ذلك فإن كل صباح يستيقظ فيه موظفو الأمانات والبلديات يجدون تعديات جديدة ومتى سكتوا عنها فإنها تتزايد لتغطي مساحات كبيرة اعتقادا من المعتدين أن الأعين لا تراقبهم وأنهم سيفرضون الواقع، ولأن الأمانات والبلديات تواجه ذلك بالإزالة للأسوار والبناء المخالف فإن هذا الحل لم يعد كافيا رغم أنه الإجراء النظامي لمعالجة هذه الحالات.
إن تحرك موظفي الأمانات والبلديات لإزالة التعديات يتطلب أعينا ساهرة وقوة إزالة موجودة في الأحياء التي تكثر فيها ظاهرة التعديات، وهي تكلفة ثابتة دون أن يصاحبها عقاب قانوني أو فرض غرامات أو نحو ذلك من العقوبات التي يجب إيقاعها على لصوص الأراضي الحكومية والممتهنين للتعديات بل المتاجرين فيها ممن يدعون الملكية ويضمنون للمشتري عدم التعرض بحجة عدم وجود منافس في دعوى الملكية، متناسين أن الحكومة هي المالك الحقيقي وعليها واجب حماية تلك الأراضي من التعديات المتواصلة، حيث يغري السكوت أو تسريب المعلومات عن الأراضي البيضاء إلى ممتهني السرقة على ممارسة هوايتهم في ظل تواطؤ من بعض الموظفين ضعاف النفوس ممن يشاركون في التعديات بصفة غير مباشرة مقتصرين على تقديم المعلومات الضرورية.
لقد أزالت الأمانات والبلديات وبتوجيه من إمارات بعض المناطق التعديات على الطرقات السريعة وهي تعديات واضحة ومكشوفة، فالنظام وحده لم يعد كافيا بعد أن تم تجاوزه، ولم يعد بما فيه من إجراءات محققا للردع والزجر أو حتى الوقف لتلك التعديات، لذا فإن موقف مجلس الشورى يأتي في سياق مراجعة عدم كفاءة بعض الأنظمة في حماية المرافق العامة والممتلكات العامة، حيث تكشف الظواهر والممارسات الكثير من الثغرات النظامية، حيث يجب تطويق حدود المشكلة وحصرها في أضيق نطاق ممكن رغم وجود أوامر سامية لمنع التعديات وتشكيل لجان للإزالة، إلا أن للمشكلة أسبابها من وجهة نظر مجلس الشورى.
فالمجلس يرى أن وجود اختلاف في أحكام المحاكم حول الإحياء للأراضي بعد عام 1387هـ، واعتراف بعض المحاكم بهذا الإحياء ورفض بعضها له إضافة إلى وجود حاجة إلى توزيع أراض كافية لسد حاجة المواطنين للبناء، حيث يصعب عليهم الشراء في بعض الأحياء، كما أن وجود محاباة ومجاملة في تطبيق بعض المنح الكبيرة أدى إلى حجز أراض شاسعة غير مطورة بما يكفي لسد الاحتياج للراغبين في البناء السكني على أراض بأسعار في متناول أيديهم.
والأمل معقود أن يقوم مشروع النظام الجديد الذي ستتم صياغته لحماية أراضي الحكومة من التعديات بمعالجة الأسباب والجذور للمشكلة وسد الثغرات التي تؤدي إلى هذه الظاهرة التي تقلق الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية وتحاول مواجهتها بالاعتراض على دعاوى الملكية التي تقام في المحاكم وتوقف قدر المستطاع طلبات حجج الاستحكام المخالفة للنظام وللتعليمات التي أوقفت العمل بها أو إصدارها، ولأن مجلس الشورى قد وقف على بعض التفاصيل فإن استيفاء المعلومات كاملة من قبل الجهات الحكومية والمحاكم الشرعية أمر ضروري لأن هناك من العقبات ما يحتاج إلى تذليل بأوامر سامية تساعد على تطبيق النظام وتمهد له ليؤتي ثماره ويحقق غاياته.