كوبنهاجن ولطافة الحكومة الدنماركية! (1 من 2)

أثبتت الحكومة الدنماركية أنها حساسة جدا، وفي غاية اللطف، عندما أعلنت أثناء قمة كوبنهاجن زراعة آلاف الأشجار للتعويض عن التلوث البيئي الذي سببته غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن اجتماع كوبنهاجن الأخير، الذي حضره زعماء ومسؤولون من أكثر من 190 دولة بهدف الوصول إلى اتفاق عالمي لمجابهة مشكلة الاحتباس الحراري.
فَشلَت قمة كوبنهاجن، كما توقع بعضهم، وذلك لأسباب ستذكر في المقال المقبل، إلا أن آثارها البيئية باقية. فعشرات الألوف من المسؤولين ومساعديهم والخبراء والمحللين والمراقبين والإعلاميين، إضافة إلى المتظاهرين، لم يصلوا إلى كوبنهاجن بأي وسيلة صديقة للبيئة، بل وصلوا بالطائرات والحافلات والسيارات التي تعتمد على النفط. أغلبيتهم لم يأكل طعاماً صديقا للبيئة، والإنارة والكهرباء والتدفئة التي استخدمت لم تأت كلها من مصادر صديقة للبيئة أيضاً، والخيام الضخمة التي نصبت لم تصنع من مواد صديقة للبيئة أو بطرق صديقة للبيئة. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المسجلين رسميا كان في حدود 45 ألف شخص، وأن عدد سيارات الليموزين التي استخدمت خلال قمة كوبنهاجن كان الأعلى في تاريخ البلاد. حتى لا تقع الحكومة الدنماركية في مأزق مخجل وهو أن تكون قمة محاربة الاحتباس الحراري مسببة له، قررت إنفاق 700 ألف يورو لزراعة آلاف الأشجار التي تمتص كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون مساوية للانبعاثات التي سببها الاجتماع في كوبنهاجن، إضافة إلى مشاريع أخرى صديقة للبيئة في بعض الدول النامية.
كرم ولطافة على الطريقة الدنماركية! هذا محل خلاف. هذه الكمية لا تغطي إلا الانبعاثات التي سببها الاجتماع والسفر إلى الاجتماع، لكنها لا تغطي عشرات الاجتماعات الأخرى والاتفاقات الثنائية التي قام بها المختصون للإعداد لهذا الاجتماع على مدى العامين الماضيين، ولا تغطي سوى انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتتجاهل الغازات السامة الأخرى. وكان أحد الصحافيين الأمريكيين قد أشار إلى أن ما ستدفعه الدنمارك للتعويض عن التلوث الذي سببه الاجتماع, جاء من جيوب المشاركين بسبب الضرائب العالية التي تفرضها الحكومة الدنماركية على كل شيء، من فنجان القهوة إلى أجرة التاكسي. باختصار، تكاليف زراعة الأشجار جاءت من جيوب المشاركين في القمة، وليس من موازنة الحكومة الدنماركية. أما عن «اللطافة» فقد أشار عدد من الإعلاميين من دول مختلفة إلى أن الحكومة الدنماركية حشدت أكبر قوة شرطة في تاريخ الدنمارك، كما أثار هؤلاء الإعلاميون قضية تعامل الشرطة مع المتظاهرين التي انتهت باعتقال عدد كبير منهم. وكما ذكر أحد الصحافيين، فإن نتيجة القمة معروفة سلفاً إذا نظرنا إلى استعدادات الشرطة من جهة، وعدد سيارات الليموزين من جهة أخرى، خاصة أن الدنمارك تعد نفسها من أشد الدول دفاعا عن الحريات، وأكثر صداقة للبيئة. وزاد الطين بلة قيام الحكومة الدنماركية بطرح مشروع اتفاقية معادية بشكل فاضح للدول النامية، لكن لم يكن المشروع المقترح هو السبب الذي أزعج رؤساء ومسؤولي الدول النامية، لكن قيام الحكومة الدنماركية بإعطاء نسخة من المشروع لمسؤولي بعض الدول وتجاهل دول أخرى، خاصة مسؤولي الدول النامية.

## الوصول إلى كوبنهاجن

السبب الوحيد لاجتماع كوبنهاجن هو فشل اتفاقية كيوتو، الأمر الذي جعل المسؤولين والمهتمين بموضوع الاحتباس الحراري يبحثون عن بديل. وكان من الواضح بالنسبة إلى هؤلاء أن البديل هو اتفاقية دولية تضم دولا لم تكن طرفا في اتفاقية كيوتو مثل الولايات المتحدة وعدد من دول اقتصادات الدول الناشئة. الهدف من مباحثات ما بعد كويتو هو اتفاقية دولية ملزمة بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. لكن تبين خلال المباحثات في العامين الأخيرين أن الخلافات كبيرة ولا يمكن الوصول إلى اتفاق ملزم بين هذه الدول، لذلك تحول الهدف إلى الاتفاق في كوبنهاجن على إطار سياسي يمكن تحويله إلى اتفاقية ملزمة خلال الأشهر المقبلة. وما يسمى الآن اتفاقية كوبنهاجن عبارة عن كلام عام لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يشكل حتى خطوة أولى في الوصول إلى اتفاق عالمي بشأن الاحتباس الحراري. ويذكر أنه تم الاتفاق بين كبار الدول الصناعية على صيغة الاتفاقية في اللحظات الأخيرة بعد أن تمت إضافة جملة واحدة تضمن فشل أي اتفاق في كوبنهاجن أو غيرها التي تتعلق بسيادة الدولة على أراضيها دون تدخل الدول الأخرى. هذا يعني أنه لا يمكن التحقق من ادعاء أي دولة بأنها قامت بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبالطبع فإنه يمكن للدول أن تتمسك بموضوع السيادة، وترفض دخول أي فريق دولي إلى أراضيها للتحقق من مستويات الانبعاثات فيها، طالما أن الاتفاقية لم تتم تحت مظلة الأمم المتحدة.
وسبب عدم تبني الاتفاقية تحت مظلة الأمم المتحدة هو أن كثيرا من الدول عارضت الاتفاقية، وتبني الأمم المتحدة لها يتطلب الموافقة عليها بالإجماع. وسيتم في المقال القادم ـ إن شاء الله ـ شرح الأسباب الرئيسة لفشل قمة كوبنهاجن، ودور الولايات المتحدة والصين والدنمارك في ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي