هل البساط حقاً أحمديٌّ؟
توجد مقولة مشهورة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستن تشرشل يقول فيها: ''نحن نشكل مبانينا وبعد ذلك تشكلنا مبانينا''، وقياساً عليها نستطيع أن نسأل: ''هل أسلوب بنائنا لمساكننا المعاصرة يجعلها تؤثر في طبيعتنا وفي أسلوب حياتنا؟''. فالمبالغة الكبيرة – على سبيل المثال - في مساحات المساكن وأحجامها، والعناية الزائدة عن اللازم بزخرفتها وتحسين مظهرها الخارجي، وجعل المنطقة المخصصة لاستقبال الضيوف (مثل: المجالس، وبهو المدخل، وغرفة الطعام، ومنطقة المغاسل) تعكس فخامة وبذخاً يفوق في كثير من الحالات الإمكانات المالية الحقيقية للأسرة. كل هذه الممارسات والمبالغات المعمارية تحمل في طياتها معاني ورسائل قد تشير إلى العظمة وتدل عليها، كما أنها تُظهر نمط حياة مغايراً في كثير من الأحيان لحقيقة إمكانات الأسرة ووضعها الاقتصادي مما قد يدفع بالأسرة إلى الاستدانة لتحمل تكاليف إضافية. وتُعد من الأسباب التي قد تجر ضعاف النفوس إلى التعالي على الآخرين، وتبعث على نفخ الكبر في أنفسهم. وهي – فوق كل ذلك - نماذج لممارسات تعمل على كسر أنفس غير المقتدرين من الأقارب والجيران، وتصبح تربة خصبة لاستنبات الكراهية والحقد والحسد في أنفس المحرومين تجاه المبالغين في مظهر مساكنهم. وللنهي عن مثل هذه السلوكيات وتجنب سلبياتها حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الكبر ونهى عنه عندما قال: ''لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر''؛ لأنه خُلُق كريه ليس من أخلاق المؤمنين، ولذلك استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً من ''نفخة الكبرياء''.
وإذا سلِم الناس من مرض ضعف الإيمان، وفساد النفس البشرية، التي تقود إلى الكبر والتعالي على الآخر جراء ممارسات المبالغة المعمارية في المظهر والفخامة (والسالمون - بحمد الله - من هذا الداء يشكلون الغالبية العظمى في مجتمعنا)؛ فهل يسلمون من فقدان مشاعر الألفة الحميمة، والتعامل ببساطة على سجيتهم، في علاقاتهم مع بعضهم في مساكنهم ومع ضيوفهم؟ إن مداخل الاستقبال الفخمة بشكل مفرط في جزء الضيوف، والمجالس الكبيرة المؤثثة بالأرائك (الكنبات) الوثيرة والفاخرة، والمزخرفة بزخارف بارعة تعكس طابعاً عالياً من الرقي، خصوصاً إذا ما تم تزويدها بمجموعة متكاملة من التحف والمكملات (الإكسسوارات) الرائعة والنادرة؛ سوف تفرض على مستخدميها من أفراد الأسرة والضيوف سلوكهم وأسلوب تصرفهم بما يتوافق غالباً ويتكامل مع مظهرها وطريقة زخرفتها وتأثيثها، فتقودهم إلى تبني أوضاع محددة للجلوس، ولطريقة تبادل الحديث، وهو ما يجعل المناسبة الاجتماعية العائلية منها أو الودية - سواء كانت للأقارب أو للزملاء والجيران - متكلفة ورسمية في أكثر الأحيان، بل قد تصبح ذات طابع تمثيلي استعراضي جاف خالٍ من المشاعر الصادقة، فيتصرف الكثير منهم على غير حقيقته؛ لأنه يريد أن يظهر وكأنه من طبقة اقتصادية، أو إذا صح التعبير اجتماعية، تنسجم مع الجو العام للفخامة. ومع كل تلك المشاهد التمثيلية المكررة في كل مناسبة لا تستغرب إن سمعت من يتشدق ويردد ''يا جماعة! ترى البساط أحمدي''!