نحتفي بالتعليم .. ونخاف من الإيرادات!
الميزانية الجديدة لعام 2010 جاءت ملبية لطموحاتنا وتطلعاتنا, فالدولة أكدت أنها ملتزمة بالمضي في تعميق التنمية, بالذات في المناطق التي لم تأخذ نصيبها, وكثفت أيضا الإنفاق على القطاعات الحيوية, مثل الصحة والتعليم, وهذا التوجه سوف نلمس ثماره في السنوات القادمة عندما تكتمل الكثير من مشاريع البنية الأساسية.
هذه التوجهات الإيجابية للإنفاق الحكومي برزت هذا العام في رفع نسبة الإنفاق على التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة, فالإنفاق ارتفع 13 في المائة عن العام الماضي ليصل إلى 138 مليار ريال, وهذه قفزة مهمة إذا أخذنا في الاعتبار الاستثمارات التي وجهت إلى التعليم في السنوات الماضية.
التزام الدولة بدعم رأس المال الوطني الحقيقي, أي (الرأسمال البشري) التزام عظيم للشعب السعودي, فالتعليم هو صمام الأمان لمستقبلنا وهو داعم الاستقرار الأول وهو الرافد الحقيقي لمسيرة الإعمار والتنمية المستدامة, فارتفاع مستوى التعليم وتوسع انتشاره يزيد اللحمة الوطنية وينعكس على نظرة الناس لذاتها ولبيئتها وللظروف والأحداث والأزمات التي تواجهها.
الشعوب المتعلمة تنزع إلى العقلانية وإلى النظر إلى المستقبل وتكون مستعدة للتنازل والتضحية كي تحافظ على مكتسباتها, وهذا ما نريده لأنفسنا ولمستقبل بلادنا, نريد التعليم أن يكون الوسيلة التي تؤدي إلى مزيد من الترابط الوطني, وقد قامت مؤسسات التعليم بهذا الدور في العقود الماضية, فقد كانت الملتقى للشباب من جميع مناطق المملكة, ومثل هذا الدور لا شك أنه سيتعمق الآن مع إقبال الجامعات على البحث العلمي الموجه لخدمة التنمية .. لذا من حقنا أن نحتفي بكل زيادة توجه للإنفاق على التعليم.
وحتى يكون التعليم مؤسسة رئيسة في المجتمع لا بد أن نقف عند أوضاع الإيرادات الحكومية, فالتعليم ما زال مرتبطا بشكل كبير بالإنفاق الحكومي رغم التوسع الكبير في التعليم الخاص, ولأننا نتطلع إلى أن يستمر هذا الإنفاق وينمو ويظل ضمن ثوابت الدولة, لا بد أن نطرح المحاذير حول استمرار اعتماد الميزانية العامة للدولة على مصدر رئيس واحد للدخل.
أشارت بيانات الميزانية إلى أن الإيرادات النفطية ستشكل 88 في المائة من موارد الميزانية, وهذا دون شك رقم كبير ومخيف, ويتطلب وقفة وطنية جادة تتدبر الاحتمالات والمخاطر التي قد تنشأ عن تراجع هذه الإيرادات.
مشاريع البنية الأساسية الضخمة التي يتم إنشاؤها الآن في مجالات التعليم العام والعالي وكذلك المشاريع الصحية والنفقات الكبيرة القادمة التي ستترتب على ضرورات الأمن والدفاع, وانكشاف البنية الأساسية للمدن بعد كوارث السيول, كل هذه يجب أن تجعلنا نخشى احتمالات المستقبل.
لن تستطيع الحكومة أن تفي بكل متطلبات التنمية معتمدة على مصدر واحد للدخل, وحتى نحافظ على وحدتنا الوطنية للعقود القادمة لا مفر من الاتجاه إلى السياسات الضريبية على الدخل والخدمات, مع مراجعة سياسات الدعم, فإذا نحن (كمجتمع) نريد تطور الخدمات ونريد أن نبقي مجتمعنا وبلادنا بعيدة عن المخاطر, ومستمرة في الرخاء الاجتماعي, علينا أن نستعد فكريا ونفسيا للمشاركة في تحمل تكاليف الخدمات والمنافع, فالتكاليف التي ندفعها هي مصدر متجدد للإيرادات الحكومية التي يعاد إنفاقها على تحسين الخدمات وصيانتها وتطويرها .. واستمرار الدورة المالية هذه هي التي تجدد في المجتمعات حيويتها وتوفر لها الآلية العملية لتعظيم منافع الثروة الوطنية وعدالة توزيعها.