عار على كوبنهاجن
بدلاً من التوصل إلى حال بشأن انزلاق العالم السريع نحو كارثة مناخية، صاغ مؤتمر كوبنهاجن قائمة جديدة عالية المستوى برئاسة قوية من جانب الولايات المتحدة، تتبعها بشكل وثيق الصين، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا (ما يطلق عليها بلدان باسيك BASIC). ومن جانب آخر، ترك الاتحاد الأوروبي دون مرساة، ولم يفعل مؤتمر تغير المناخ سوى القليل لاحتواء غضب ويأس إفريقيا ودول الجزر الصغيرة التي تتحمل حرق ارتفاع درجات الحرارة عالمياً التي تقترب من أكثر من 3.9 درجة مئوية من مستويات ما قبل الفترة الصناعية (وفقاً لتقديرات معهد ماساشوستس للتقنية).
من الجهة الملامة؟ أمريكا إلى حد كبير، ثم الصين، يتبعها الاتحاد الأوروبي، والدنمارك (التي لعبت ... كدولة مضيفة)، وفي الخلف، تأتي الهند، على الرغم من أن حكومة مانموهان سينج ربما تعتز بنفسها لأنها حصلت على مكان في هذه القائمة عالية المستوى. وكان الرئيس باراك أوباما متخاذلاً كئيباً، ليس بسبب مركزه الذي مر عليه قرابة عام واحد في الرئاسة، والذي كان سيئاً على نحو ثابت، ولكن كمرشح انتخابي عندما كان يمثل التغيير، وحصل على دعم آل غور، مناصر البيئة الحقيقي الحائز جائزة نوبل، ونائب الرئيس الأمريكي الأسبق.
كانت هناك إدانة في شتى أرجاء العالم حين تخلت إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش عن معاهدة كيوتو التي تلزم الولايات المتحدة والبلدان الصناعية الأخرى بالقيود على الانبعاثات. وكان يتوقع من أوباما أن يعود إليها تأكيداً للمبدأ بأن الولايات المتحدة تقود نموذجاً، ولو أنه كان حازماً، لوافق الاتحاد الأوروبي. وكان ذلك سيرضي الصين وإفريقيا والهند التي أشار رئيس وزرائها إلى اتفاقية كيوتو كمؤشر لنجاح كوبنهاجن، وإمكانية تطبيقها على الواقع العملي. وبعدئذ فإن إلزام الصين والهند بتخفيض انبعاثاتهما، إضافة إلى بلدان باسيك الأخرى، والأموال والتحويلات لتخفيف آثار الانبعاثات، وإجراءات المصادقة الدولية، ستتبع ذلك بشكل طبيعي، وتكون أقل إثارة للخلاف. غير أن أوباما أصبح سجيناً لرئاسته (تراجع شعبيته، والهزيمة التي تحوم في الأفق في أفغانستان، واقتصاد غير منتعش، ومشروع قانون الرعاية الصحية المحاصر، وما إلى ذلك)، حيث إنه لم يتمكن من أن يخرج عن نطاق همومه لكي يعطي العالم خريطة طريق جديدة وجريئة لضبط انبعاث الكربون.
إن الصين التي تسعى إلى هيمنة سيادة الدولة على البر الصيني، وليست مستعدة للدخول في اتفاقيات من شأنها الضغط على النمو عبر الحد من الانبعاثات الغازية، تتحرك بدعم من تلاعبها بالعملة، وسياستها التجارية، حيث أصبحت لديها اليد العليا على إدارة أوباما فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية. ولن تخضع الصين لأية ضغوط من جانب الولايات المتحدة إذا رأت أن تلك الضغوط يمكن أن تؤدي إلى الانتقاص من سيادتها، أو حرية حركتها. ولو استطاع أوباما أن يعيد الولايات المتحدة بشجاعة إلى حظيرة الدول الملتزمة باتفاق كيوتو الخاص بالانبعاثات الغازية، لكان قد وجه بذلك ضغوطاً شديدة على الصين، بعكس الوضع الحالي الذي لا تشعر فيه بكين أن أي ضغوط يمكن أن تلزمها بدرجة معينة من التراجع عن تصلبها إزاء عدة قضايا.
ورغم كل الابتسامات الدبلوماسية بعد قمة البيئة في كوبنهاجن، فإن الحقيقة باعثة على الاكتئاب.
ولم تكن قمة كوبنهاجن خطوة كبيرة على طريق الحد من زيادة الانبعاثات الغازية إلى أن تتضح الأمور أكثر فأكثر في اجتماع سيعقد في المكسيك في العام المقبل ومن الممكن أن تسوء الظروف حتى ذلك الحين. وستزداد الانبعاثات الغازية من جانب الصين. وعلى صعيد الصناعة الأمريكية، وبالذات في الغرب الأوسط، وبسبب ضعف سيطرة إدارة أوباما على الأمر، فإن من المتوقع أن تتحرك تلك الصناعة بقوة في سبيل زيادة قدراتها التنافسية. وإلى أن يأتي اجتماع المكسيك، فإن على الدول التي تتسبب في الانبعاثات الغازية الكبرى أن تعيد النظر في سياساتها، وإلا فلتبدأ في كتابة النهاية المأساوية للعالم.
ما اللوم الذي يجب أن يوجه إلى الهند؟ إن لدى الهند أربع مصالح عليها أن تحميها، حيث لا مجال لحل وسط يضحي بأرقام نموها الذي أصبح هائلاً بعد أكثر من 50 عاماً من الاستقلال. ولن تهادن الهند كذلك إزاء تحالفها عموماً مع بقية الدول النامية، أو الفقيرة، مثل جزر المالديف التي تغرق بصورة خفية في المحيط الهندي. وتريد الهند كذلك علاقة مع الصين تضمن لها الصمود في وجه ضغوط الدول الغنية. وتريد كذلك أن توازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة، وعلاقتها مع جارتها الصين التي هي منافستها الحقيقية في قارة آسيا. وكان يمكن للهند أن تقوم بأمور أسوأ فيما يتعلق باثنين، على الأقل من هذه الاهتمامات الرئيسة.
غير أن الهند لم تلتزم كثيراً بالربط بين مصالحها المباشرة وتلك الخاصة بعدد من الدول الفقيرة، ولا سيما الموجودة منها في إفريقيا، حيث جاء الالتزام أقل مما كان متوقعاً. كما أن الهند لم تلتزم بقيود قوية على انبعاثاتها الغازية، لا في كيوتو، ولا في كوبنهاجن. ويبدو من الجانب الآخر أن الصين استخدمت الأوراق المتاحة لديها بصورة أفضل، حيث حافظت على قدم لها داخل إفريقيا سعياً وراء الموارد هناك. وبينما كانت الصين تزيد من معارضتها خلال اجتماعات كوبنهاجن، فإنها كانت تجلس على طاولات مفاوضات أخرى مع الولايات المتحدة.
يمكن القول إجمالاً إن اجتماعات كوبنهاجن كانت حول السياسات العليا للدول، بأكثر مما كانت حول البيئة. ولا بد أن يكون في مثل تلك الممارسات السياسية رابحون، وخاسرون، حيث إن الضحية النهائية لذلك ستكون الكوكب الأرضي، وأنا وأنت، ما لم يبرز إحساس أفضل بخطورة المشكلات، بدءًا بالولايات المتحدة. وسيغلف العار ما دار من مساومات في الأسبوعين الماضيين في كوبنهاجن حول الحد من انبعاثات الغازات السامة.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org