استمرار برنامج الانتعاش
الرسالة الأساسية في الميزانية الجديدة التي أعلنت بالأمس الاستمرار في برنامج الانتعاش الاقتصادي، وبالتالي تصبح الميزانية حلقة في مشروع متصل تستهدف إنفاق 540 مليار ريال ومتضمنة تمويل عجز يصل إلى 70 مليارا، وذلك تهيئة للأرضية التي يمكن للقطاع الخاص أن ينطلق منها.
وتتضح معالم هذه الرسالة بالتفصيل المطروح حول المشاريع الجديدة أو الإضافات التي ستلحق ببعض المشاريع القائمة, ويتوقع أن تبلغ تكلفتها الكلية 260 مليار ريال، وذلك مقارنة بـ 225 مليارا كانت مخصصة لهذا النوع من المشاريع في الميزانية التي طوت أشرعتها هذا العام، أي بزيادة 16 في المائة، مع ملاحظة أن العام الحالي كان الأعلى تاريخيا من ناحية الإنفاق على المشاريع.
نقطة أخرى تعزز هذا الاتجاه بملاحظة أن الإنفاق المقرر للمشاريع الجديدة العام المقبل، يعادل ثلاثة أضعاف ما تم تخصيصه في العام الأول من خطة التنمية الثامنة، التي تستعد لإفساح المجال للخطة التاسعة، أي قبل سنوات خمس. على أن هذا الاتجاه يكتسب قيمة مضافة بتركيز الإنفاق من ناحية ثانية على قطاعات التعليم المختلفة وتدريب القوى البشرية، إذ ستحصل على اعتمادات تصل إلى 137.6 مليار ريال، وهو ما يعادل ربع الاعتمادات العامة، بل بزيادة 13 في المائة على ما تم تخصيصه في الميزانية السابقة. وتشير التفاصيل إلى التخطيط لإنشاء أربع جامعات جديدة و1200 مدرسة للبنين والبنات، كما تم تخصيص 61.2 مليار ريال للخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بزيادة 17 في المائة على ما تم تخصيصه في الميزانية السابقة.
اتجاه الحكومة للمضي قدما في برنامج نشط للانتعاش الاقتصادي يهدف إلى التعويض عن آثار الأزمة الاقتصادية العالمية والتراجع الكبير في العائدات النفطية من ناحيتي الكميات المنتجة والأسعار. ومن أبرز ملامح هذا البرنامج، الذي بدأ في واقع الأمر قبل الأزمة الاقتصادية العالمية, المشروع الضخم لرفع الطاقة الإنتاجية النفطية إلى 12.5 مليون برميل يوميا وبلغت تكلفته خلال فترة السنوات الخمس التي استغرقها نحو 100 مليار دولار.هذا إلى جانب مشاريع ضخمة أخرى مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة الأميرة نورة ومشاريع السكة الحديد لخدمة الحجاج والمعتمرين وغيرها من المشاريع التي تسارعت وتيرة تنفيذها بصورة واضحة منذ الربع الأول من هذا العام مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام.
ومن أن الميزانية لا تطرح أرقاما حول سعر برميل النفط السعودي الذي بنيت على أساسه إلا أنه من الواضح أن متوسط الإنتاج الذي بلغ 9.2 مليون برميل يوميا العام الماضي وبمتوسط سعري في حدود 93.4 دولار للبرميل، شهد في العام الحالي تراجع معدلات الإنتاج إلى 8.2 مليون، أي أقل بمليون برميل، بينما يتوقع لمتوسط سعر البرميل أن يكون في حدود 54 دولارا لهذا العام، مع ملاحظة نجاح السعودية في دفع منظمة الأقطارالمصدرة للنفط (أوبك) في تنفيذ برنامج خفض بنسبة التزام جيدة تمكنت عبره المنظمة من رفع سعر البرميل من قرابة 40 دولارا بنهاية العام الماضي بنحو الضعف بعد ذلك بعام.
على أن الأهم أن السعودية تدخل العام الجديد ووضع السوق النفطية أكثر اطمئنانا بسبب عاملين أساسيين: أولهما الاستقرار النسبي في سعر البرميل, والآخر أن ذلك الاستقرار يتم في إطار نطاق سعري تفضله السعودية وهو بين 70 و80 دولارا للبرميل, لأنه مجز للمنتجين والمستهلكين. وهكذا وبدلا من حالة التقلبات الحادة التي انعكست على تراجع في العائدات تجاوز أحيانا 50 في المائة كما حدث مع إيرادات العام الماضي من المبيعات النفطية، فإن ميزانية العام الجديد موعودة بشيء من الاستقرار سيشكل عاملا مهما في تنفيذ الميزانية الجديدة.