هل يحدد اجتماع أوبك اليوم أسعار النفط في عام 2010؟
صرح أغلبية وزراء «أوبك» ومسؤوليها خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بأنهم لا يتوقعون أي تغيير للإنتاج في اجتماع لواندا. يعد اتفاق هذه التصريحات على عدم تغيير الإنتاج غريباً مقارنة بتضارب التصريحات التي عهدناها في الماضي، خاصة التصريحات الإيرانية والفنزويلية. لكن يبدو أن عبارة «عدم تغيير الإنتاج» في تصريحات الوزراء يقصد بها «عدم زيادة الحصص الإنتاجية» وحسب هذا المعنى فإنه يمكن لكل الدول الأعضاء أن تتفق على ذلك، بغض النظر عن المستوى الحالي لأسعار النفط الذي أقر الجميع بأنهم راضون عنه. فالدول التي كانت تطالب تاريخيا بتخفيض الإنتاج ورفع الأسعار، مثل إيران وفنزويلا، هي أكثر الدول تجاوزا لحصصها الإنتاجية وتنظران إلى بقاء الإنتاج على حاله على أنه «تخفيض» تقوم به دول أخرى يمكنها زيادة الإنتاج، بينما تقومان بجني مزيد من الأموال. أما أنغولا، وهي أكثر دول «أوبك» تجاوزا للحصة الإنتاجية، فإن مصلحتها لا تختلف كثيرا عن مصلحة إيران وفنزويلا. أما بالنسبة إلى بقية دول «أوبك»، خاصة دول الخليج، فإنها ترى أن السعر والإنتاج الحاليين كفيلان بأن يحققا لهذه الدول فوائض في موازناتها، لذلك فإنه ليس هناك حاجة إلى تغيير سقف الإنتاج الذي تم الاتفاق عليه في نهاية عام 2008 الذي بلغ 24.845 مليون برميل يوميا (هذه الكمية لا تشمل العراق حيث إن العراق ما زال دون حصة إنتاجية حتى الآن).
الأسباب الداعمة لعدم تغيير الإنتاج
بدأ الاقتصاد العالمي بالانتعاش، لكن الاقتصاد العالمي ما زال ضعيفا في مرحلة «النقاهة». هذا الوضع يضع دول «أوبك» في موقع حرج: أي ارتفاع في أسعار النفط قد يؤدي إلى «انتكاس» الاقتصاد العالمي وأي انخفاض ملحوظ في أسعار النفط لن يساعد الاقتصاد العالمي كثيراً لكنه سيؤثر سلبا في اقتصادات الدول النفطية. بناء على ذلك فإن استمرار الوضع الحالي دون أي تغيير للإنتاج هو الحل الأمثل للمنظمة وللعالم.
رغم توقع جميع الهيئات والبنوك والخبراء أن الطلب على النفط سينمو عام 2010، إلا أن هناك فروقات كبيرة في هذه التوقعات, حيث يصل الفرق إلى نحو مليون برميل يوميا. هذا الوضع يمنع «أوبك» من تخفيض الإنتاج حاليا، لكنه يمنعها أيضا من زيادة الإنتاج، وهذا يعني عدم تغيير الإنتاج. شهدت الأشهر الأخيرة زيادة مستمرة في إنتاج دول «أوبك» لدرجة أن أغلبية الدول تجاوزت حصصها الإنتاجية. وتشير التقارير إلى أن دول «أوبك» تجاوزت حصصها بمقدار مليوني برميل يومياً. فإذا قررت «أوبك» في اجتماع اليوم زيادة الإنتاج، فإن هذه الزيادة لن يكون لها أثر فعلي في الأسواق لأنها ستجعل تجاوز الحصص قانونيا. ونظرا لأن وضع الاقتصاد العالمي ما زال ضبابيا، ولأن الطلب العالمي على النفط ينخفض مع نهاية فصل الشتاء، فإن من صالح «أوبك» إبقاء الإنتاج على حاله حاليا ثم مطالبة الدول الأعضاء بالالتزام بحصص الإنتاج مع انخفاض الطلب على النفط.
هناك اختلاف كبير في توقعات إنتاج دول خارج «أوبك», ففي الوقت الذي يرى فيه بعضهم أن إنتاج دول خارج «أوبك» سينخفض عام 2010، يرى كثيرون أن إنتاج هذه الدول سيرتفع، ويرى البعض أنه سيرتفع بشكل كبير. في ضوء هذه الاختلاف، ليس هناك خيار أمام «أوبك» سوى أن تنتظر حتى اجتماعها المقبل كي تتيقن من اتجاهات إنتاج دول خارج «أوبك»، وهذا يتطلب إبقاء الإنتاج الحالي دون تغيير، وسيمكن المنظمة من مطالبة الدول الأعضاء بالالتزام بالحصص الإنتاجية في حالة ارتفاع إنتاج دول خارج «أوبك» فوق الحد الذي تتوقعه «أوبك».
إذا فاق النمو الاقتصادي العالمي كل التوقعات، وارتفع الطلب على النفط بشكل يفوق التوقعات أيضا، فإنه من السهل زيادة الإنتاج، حتى دون أن تقر المنظمة ذلك. لكن العكس ليس سهلا: من الصعب إجبار الدول الأعضاء على تخفيض الإنتاج إذا كانت معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات نمو الطلب العالمي على النفط أقل من المتوقع. باختصار، الإبقاء على الوضع الحالي هو الحل الأمثل.
مستويات المخزون التجاري والنفط المخزن في نقالات النفط ما زالت مرتفعة ولم تنخفض كما كان متوقعا. إن أي قرار بزيادة الإنتاج سيخفض الأسعار، حتى لو كان القرار صوريا ولم يؤد إلى زيادة فعلية في الإنتاج. وقد يؤدي هذا القرار إلى تغيير هيكل أسعار النفط المستقبلية ويجبر التجار على التخلص من المخزون، وبالتالي انخفاض أسعار النفط. أما إذا قررت «أوبك» تخفيض الإنتاج، فإن هذا سيكون حافزا لتخزين المزيد للاستفادة من فرق السعر بين الأسواق المستقبلية والفروية.
اجتماع لواندا وأسعار النفط عام 2010
رغم توقع عدم تغيير الإنتاج، إلا أن هذا القرار سيسهم بشكل كبير في تحديد الأسعار عام 2010، خاصة أن الأسعار الحالية تعكس قوى السوق، وليس المضاربات كما يدعي بعضهم. فهذا القرار يعكس رغبة بعض الدول الأعضاء في منع ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير حتى لا يؤثر في انتعاش الاقتصاد العالمي. ويعكس أيضاً رغبة بعض الدول الأخرى بالاستفادة منها عن طريق زيادة الإنتاج وتجاوز الحصص الإنتاجية. هذا يعني أن السلوك الحقيقي لدول «أوبك» سيمنع أسعار النفط من الارتفاع بشكل كبير عام 2010. وبما أن الحصص الإنتاجية التي يتوقع أن تبقى كما هي تعكس تخفيضا يتجاوز أربعة ملايين برميل يوميا تم الاتفاق عليها في نهاية عام 2008، فإن هذا يعكس رغبة كبار دول «أوبك» في منع أسعار النفط من الانخفاض تحت مستوى معين، وهو الأمر الذي شهدناه في النصف الأول من عام 2009. باختصار، قرار عدم تغيير الإنتاج يعني ضمنيا استمرار الأسعار الحالية خلال عام 2010.