الإعلام .. القوة المهملة في تجربة المجلس!
تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم تكن سهلة .. فقد مرت وتمر بمراحل صعبة, لكن الإنجازات تتواصل, وهذا المفرح الذي يجب أن نحتفي به.
الغريب أن أبرز تحديات المسيرة كانت في عدم تناسق الأداء بين الأجهزة الحكومية في دول المجلس, بالذات الطواقم التنفيذية التي تتمركز في الوسط, فهذه الشريحة ما زالت تشكل العائق الحقيقي لانطلاق التنمية في دول المجلس, وحساسيتها للتجربة تنبع من كونها هي التي تدرس وتعد البنيات وتقدم الخيارات لمتخذي القرار.
الأمر المؤكد أن القيادات السياسية وكذلك القاعدة الشعبية الواسعة للمواطنين في دول المجلس, كل هؤلاء مع التجربة بكل قناعاتهم وتطلعاتهم, وهذا الوضع هو الذي يجعلنا نطمئن إلى المخرجات القادمة لأداء الأجهزة التنفيذية, فقد أنجزوا الكثير وبقي القليل, وفي تصوري هذا ما يجب أن نوطن قناعاتنا عليه وندفع به مستقبلا.
أفضل آلية لتوطين هذه القناعات الإيجابية والدفع بها يمكن تحقيقها عبر إحداث آليات جديدة ضاغطة تستثمر القناعات السياسية والتطلعات الشعبية, وهنا يأتي في أول الآليات الإعلام, ففي العقدين الماضيين لم يكن سلوك الإعلام تجاه التجربة إيجابيا بشكل عام, فقد ظلت الاتجاهات لدى أغلب القائمين على وسائل الإعلام (سلبية) تجاهها.
هذا الاتجاه السلبي طغت عليه في بعض الأوقات النظرة التشاؤمية الحذرة, وأحيانا يتطور الخطاب ليكون تشكيكيا, بل كان منددا ومطالبا بإيقاف المسيرة (لأنها لم تنجز شيئا!), وهذا التوجه نحن نأخذه بحسن النية وليس برغبة التعطيل والتخريب, فعندما انطلقت المسيرة في سنواتها الأولى كان سقف التطلعات عاليا, وبالذات لدى النخب.
يبدو أنه لم يكن واضحا منذ البداية أن المسيرة لن تأتي في يوم وليلة, بالذات على الميدان الاقتصادي والتجاري, ففي هذا الجانب ثمة قضايا فنية معقدة لا يمكن تجاوزها بسهولة, فحتى يتحقق التكامل الاقتصادي هناك محددات علمية وفنية ترتبط بطبيعة الاقتصاد ومكوناته, والأوروبيون حتى يصلوا إلى السوق المشتركة والعملة الموحدة ظلوا أربعة عقود يتحاورون ويرتبون الأولويات, والآن يجنون ثمار صبرهم ووعيهم.
كإعلامي, كان يشدني دائما أهمية الجانب الإعلامي, ومنذ أكثر من عشر سنوات كتبت مقترحا إنشاء قناة تلفزيونية موحدة وصحيفة يومية تصدر من جميع عواصم دول المجلس, وكذلك إيجاد محطة إذاعة مخصصة للتجربة, وهذه المنظومة الإعلامية كان يفترض أن تنطلق من الأمانة العامة لتكون صوت الوحدة الخليجية, ويقوم على هذه المنظومة موارد بشرية متخصصة من دول المجلس, ويكون همهم هو إيجاد رسالة إعلامية موحدة تخدم المصالح العليا لدول المجلس, وتعمل على متابعة شؤون المجلس وتقريب وجهات النظر بالذات بين الخبراء والفنيين.
مثل هذه المنظومة إذا أديرت بمهنية واحترافية وكانت عملا إعلاميا منظما, فإنها ستساعد على تدعيم القناعات الشعبية بأهمية التكامل, فأهمية تثبيت التوجهات الشعبية الإيجابية نتمنى أن يلتفت إليها, فالتطورات الأخيرة التي صاحبت إعلان البنك المركزي وغيرها من القضايا لأول مرة، جعلت الناس يبدون المخاوف والمحاذير حول التجربة, وهذا هو المهم, علينا أن نأخذ التوجهات الشعبية بجد حتى لا تفقد التجربة قاعدتها الأساسية, فالوحدة هدفها ربط مصالح الناس وتعظيم المنافع بينهم.
ولعل البعد الإعلامي الموحد يأخذ نصيبه من الاهتمام ولا يهمل, والتجربة أمامها سنوات عديدة قادمة, والفرصة متاحة لتعويض ما فات.
* نشر هذا المقال في مجلة «المسيرة» التي تصدر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية العدد 22 - ديسمبر 2009.