الوطن بخير.. ولكن!! « 1 من 2»

شاب من أبناء هذا الوطن الولود، الذي ينجب الرجال الشجعان. لم يتجاوز عامه الأول من التحاقه بالقوات المسلحة، أبوه شيخ طاعن في السن، يقيم في منطقة بعيدة عن مقر عمله. أخذ إجازة قصيرة لحضور زواج أحد إخوته. بعد تأديته واجب زيارة والديه، وحضور زواج شقيقه، قرر أن يقطع إجازته، ويلبي نداء الواجب، رغم  تمتعه بالإجازة بإذن من مرجعه. استأذن من أبيه في الرجوع إلى جبهة القتال.. لأنه أحس أن مكانه هناك. طلب الأب الشيخ بعاطفة الأبوة، أن يجلس عندهم عطلة العيد، وهي مدة إجازته، إلا أنه اعتذر، وقال لوالده، الفوج دخل الجبهة، وأريد أن ألتحق به، حتى أحصل على الشهادة.
 حقاً إنها (الحبيبة) التي تحتاج إلى تضحية، المملكة التي تحتضن أطهر البقاع، ومازالت منارة الإسلام. ودع أبواه وإخوته وداعا حارا، وكأنه متأكد من عدم ملاقاته لهم مرة أخرى! ذهب وهو سعيد جداً، أن يكون فداء لوطن يستحق التضحية، وتطيب في سبيله الشهادة. كيف لا، وهو أرض الحرمين ومهوى أفئدة أكثر من مليار مسلم… في بداية رحلة العودة، أو رحلة الوداع، لأهل أحبوه، ووطن هو أحبه، وأحب الموت في سبيله، كان ما استعجل العودة من أجله في انتظاره… في الطريق من هجرته القريبة من الرياض، ليستقل طائرة إلى الثغور الجنوبية، حيث يستهدف الوطن الغالي من قبل فئة باعت نفسها لمخطط أجنبي خبيث، له أطماع طائفية وطموحات توسعية، كان الموت بانتظاره. لم تمض أكثر من عشر دقائق على توديعه لذويه، حتى ودع هذه الدنيا. استشهد - رحمه الله-، ليس في حرب الدفاع عن الوطن، ولكن في (حرب الاستنزاف المرورية)، التي نفقد فيها كل يوم عشرات من فلذات أكبادنا، وزهرات الوطن، من الشباب المتوقد الطموح. هي حرب، ولكن من دون هدف، يسهم في تأجيج أوارها، ومضاعفة خسائرها، سوء التنظيم وقلة الوعي. صلى على جنازته رحمه الله الألوف، صلاة الجنازة، بعد صلاة الجمعة في جامع الراجحي. ترك هذه الدنيا الفانية شهيداً بإذن الله، ورمزاً وطنياً مخلصا لشباب هذا الوطن الكريم برجاله، من أحفاد الذين جاهدوا من أجل وجود هذا الكيان، ووحدة ترابه.
أمثال ذلك الجندي الشجاع المرابط كثيرون. فمن خلال اتصالاتي ببعض أبنائنا الموجودين في الجبهة، وجدت لديهم التفاني والإخلاص، والروح المعنوية العالية، حتى إن بعضهم لا يرغب إطلاقا في أن يتمتع بأي إجازة. يشعر إنه في رحلة ممتعة، ومهمة شريفة، يقدم فيها حقاً لوطنه ودينه، ويسدد جزءا يسيرا من واجبه عليه. إن بلدنا بخير، طالما أن لدينا مثل هؤلاء الرجال، ممن يملكون هذه الدرجة الرفيعة من الإخلاص والتفاني، وإيثار سلامة الوطن والأهل.
إن الحرب العدوانية التي أوقدت عند حدنا الجنوبي، وروح الفداء التي تجلت في أبنائنا من الضباط والجنود، وهم يذودون بشجاعة منقطعة النظير عن حياض الوطن، ليفشلوا المخططات الإجرامية، التي تهدف إلى إحداث ثغرة في أمننا الوطني، ينفذ منها دعاة الطائفية العنصرية، تتطلب منا التذكير بمسألة مهمة وخطيرة، تهمنا جميعنا، جنودا ومواطنين ونخبا مثقفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي