الرقابة المالية والمباحث الإدارية

الواضح من تداعيات سيول جدة أن التنازلات النظامية بغرض المصالح الشخصية من كل الجهات ذات العلاقة، وخاصة في الأمانة والبلديات الفرعية وإدارة الطرق والصرف الصحي والمياه والكهرباء وكتابة العدل والشركات المنفذة مباشرة ومن الباطن. إعلان الحكومة الكريم بتعويض الناس وتشكيل لجنة عليا للمراجعة وتلافي التقصير وملاحقة المقصرين قد لا يكفي، فنتيجة اللجان العليا أنها عليا ولذلك هي دائما بعيدة عن الموظف المباشر المستفيد من التنازل النظامي والمواطن المستفيد آنياً من دفع الرشوة. لا يمكن للحكومة أن تستمر في الاستثمار في البنية التحتية دون كفاءة ومن ثم تقوم الحكومة بتعويض الضحايا ثم نعيد الكرة مرة أخرى وتستمر الحكومة في جني اللوم دون إدخال تغييرات مهمة في أركان الإدارة. مربط الفرس في الفساد الإداري والمالي هو قلة المراقبة المالية المباشرة. في حالة المملكة عموما، وجدة خصوصا، لا بد من دور تكاملي بين ديوان المراقبة العامة والمباحث الإدارية ومؤسسة النقد. في الرقابة المالية يقولون دائماً (فتش عن المستفيد) ولا يمكن معرفة المستفيد دون مراقبة مالية تجسسية معمقة. الحسبة المالية البسيطة تقودنا إلى معرفة أن رفع رواتب الموظفين الصغار الذين هم هدف الراشين ثم مراقبتهم بدقة هو أقل ثمناً مالياً وأكثر إنجازاً من دفع فواتير الإهمال والتنازل لاحقاً. الرادع دائماً هو في التحقيق المالي لحسابات كل من له علاقة مباشرة وغير مباشرة بهذه الدوائر الحكومية ليصل إلى ممتلكاتهم المباشرة والعائلية من أموال وأصول ومعرفة مصادرها. دون يقين هؤلاء أن التقصير سوف يكون له تكلفة نظامية ومالية مباشرة وسريعة لن نصل إلى حل.
في عصر العولمة المالية الآنية يمكن معرفة كل المستفيدين ومن دفع لهم وملاحقتهم قضائياً وإيقاف حساباتهم المالية ومنعهم من السفر والتشهير بهم. المراهنة على لجان عليا ينبغي أن يكون رهاناً على حتمية ملاقاة هؤلاء استحقاقات تقصيرهم الذي تسبب في خسائر بشرية ومادية ومعنوية تبينت حينما ذكر الملك أن دولا أقل إمكانات منا تتعامل بأكثر كفاءة منا في مثل هذه الكوارث الطبيعية. لفت نظري في تشكيل اللجنة غياب مؤسسة النقد وشركة سما والمباحث الإدارية والسجل العقاري، فأول خطوة هي حصر أملاك كل موظف وشركة تعاملوا مع هذه المنطقة وجعلهم عبرة لكل فاسد ومقصر. من يرغب جدياً في تطوير البلاد لن يجد أسهل من هذه البداية وأقرب طريق إلى عقول وقلوب الناس لإحداث تغيير جذري. تعويض وكرم الحكومة قد يأتي بمفعول عكسي حيث إنه حين يعتقد الناس أن الحكومة جاهزة للتعويض دون محاسبة المستفيدين فإن هذا سوف يدعو إلى مزيد من الاستمرار في الفساد والتقصير والاستهتار بالحقوق العامة. تقف المملكة على مرحلة مهمة في نجاحها التنموي من عدمه، فهناك مقومات كثيرة للتنمية، ولكن مصداقية الأجهزة الحكومية ونزاهتها من أهم تلك المقومات، ولذلك أتقدم باقتراح مرحلي يهدف إلى دمج جهاز المباحث الإدارية مع ديوان المراقبة العامة ولمدة لا تقل عن عشر سنوات، وأن يكون تحت مدير واحد عالي الرتبة، وأن يطلع المجلس الاقتصادي الأعلى على نتائج عمله. فهذا الجهاز يجب أن يكون محاسبياً ومالياً مؤهلاً ولديه الحق النظامي بالوصول إلى كل موظف أو عائلته ومعرفة كل مستفيد أو مستفيد محتمل. دون القدرة الفنية على معرفة التكاليف المحاسبية وطبيعة الصفقات والعقود وطبيعة تناقل المصالح اقتصادياً فلن يكون للأجهزة الرقابية دور فاعل. الجدير بالذكر أنه حتى البنوك السويسرية تنازلت أخيرا لمزيد من المكاشفة والشفافية. فليس هناك مهرب لأحد إذا رغبنا في المحاسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي