مآذن سويسرا .. القافلة تسير و...!!
تحرك الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا يأخذ الآن مسارا نشطا بعد تصويت السويسريين بنسبة 57 في المائة على حظر بناء المآذن للمساجد .. وهذا التحرك المتطرف بدا مستغربا أن يأتي من بلد مثل سويسرا التي كان الانطباع عنها أنها من أكثر الدول الأوروبية انفتاحا وتسامحا، وهو مستغرب أيضا لأن سويسرا هي أكثر بلد أوروبي يستفيد من أموال أثرياء المسلمين .. لذا هذا التصويت مؤشر على استمرار ضعف المسلمين وتراجع مكانتهم العالمية .. و(من يهن يسهل الهوان عليه).
الأمر الإيجابي هو خروج بعض الأصوات الأوروبية لإدانة مثل هذا التوجه، وقد خصصت ''الفاينانشيال تايمز'' افتتاحية الأسبوع الماضي لإدانة هذا التوجه، وقالت: إن التصويت لا يخدم سوى المتطرفين، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، أي الإشارة إلى الانطباع الذي لدينا عن الصورة النمطية لسويسرا. تقول الصحيفة: ''كان هناك زمن تتمتع فيه سويسرا بسمعة أنها ملاذ الديمقراطية والتسامح في أوروبا التي كانت، بخلاف سويسرا تعيش في ظلام فكري، لكن هذا تغير الآن، هذه الصورة الجميلة تحولت إلى حطام من خلال التصويت على إقرار حظر دستوري على المآذن''.
والأهم من هذا أيضا أن الصحيفة دعت إلى عدم الاحتذاء بهذا التصرف، تقول ''للأسف بعض البلدان الأخرى ربما تصوت بالطريقة نفسها إذا كانت لديها استفتاءات مماثلة. سويسرا، التي لم تعد الآن أنموذجا يحتذى به، ينبغي أن تكون علامة تحذير للآخرين''.
ومثل هذا النقد القاسي موقف إيجابي ويجب أن يسجل هنا للأوروبيين، خصوصا أنه يأتي في المقال الرئيس لصحيفة معروفة باعتدالها وموضوعيتها وتأثيرها الكبير في صانعي السياسة وقادة الرأي في أوروبا.
أمريكا ومعها دول أوروبا تدخل الآن مرحلة من التراجع القيمي والأخلاقي وحتى النفاق السياسي، فهي تدعو إلى التعايش بين الشعوب والديمقراطية والتسامح وتشن الحروب وتدمر البلدان لأجل تحقيق هذه المبادئ والمثل، بينما هم في بلادهم يعودون إلى نزعات العنف والانغلاق التي عرفوا بها إبان عصور الظلام غير البعيد .. وهذه التقلبات الجديدة في المفاهيم هي التي تزعج النخب المستنيرة والمتطلعة إلى عالم يسوده السلام والتسامح والديمقراطية.
هذه النخب ستواجه ظروفا صعبة إذا رغبت في التصدي لهذه النزعات، وربما لن تستطيع الوصول إلى القاعدة الشعبية الواسعة لكون وسائل الإعلام الجماهيري الكبرى تمر بمرحلة تبدل كبيرة في مضمونها وتوجهاتها بعد سيطرة الأفكار البراغماتية التجارية عليها, ففي هذا العالم الجديد ستصبح النخب المستنيرة فكريا وسياسيا غير مؤثرة حيث لن تجد فرصتها للتعبير وتوجيه الرأي العام .. هذه النخب ستصبح عما قريب غريبة الوجه واليد واللسان في هذا العالم الجديد! فوسائل الإعلام في محتواها الجديد، في أمريكا وأوروبا، أصبحت فاعلة في التعبئة الشعبية المؤدلجة والموجهة لخدمة أغراض وأفكار مسبقة معلبة عن الدول والشعوب والأديان.
وفي مثل هذا العالم الجديد ليس غريبا أن تولد الأفكار السوداوية المدمرة، ولعل هذا هو الذي دعا ''الفاينانشيال تايمز'' إلى التحذير من الاقتداء بالمنحى السويسري.