دبي كشركة تطوير عقاري
يُذكر أن ديون دبي تتعدى 80 بليون دولار، وأن هذا المبلغ أعلى بقليل عن الدخل الإجمالي لإمارة دبي. إخفاق شركة نخيل في تسديد جزء من الالتزامات التي عليها وطلب تأجيله لمدة ستة أشهر أتى بمثابة إعلان «إفلاس»، فشركة نخيل مملوكة لـ «دبي العالمية»، التي هي مملوكة لحكومة دبي؛ فهذا دين سيادي على حكومة دبي، التي هي جزء من اتحاد فيدرالي يصعب تحديد ملامحه؛ ولذلك أتى دعم أبو ظبي القادرة مالياً في الاتحاد غير شامل وقاطع.
استطاعت دبي كسب الرهان الأول وهو القدرة على جعل دبي مركزاً خدمياً متقدماً للمنطقة، واستطاعت أخذ زمام المبادرة من بيروت والبحرين وغيرهما ولكنها لم تقف عند ذلك فأخذت على عاتقها تحدياً آخر: أن تصبح أكبر شركة تطوير عقاري في المنطقة وما يتبع ذلك من مظهريات مكلفة مراهنة على ما سبق الأزمة المالية العالمية من سهولة في الحصول على قروض. التحدي الأول كان له ما يبرره، حيث إن دبي راهنت موضوعياً على قصور في كفاءة الدول الكبيرة في المنطقة، ولكن التحدي الآخر لا يجد المبرر الموضوعي الاقتصادي لاستمراره، ولذلك سرعان ما انكشف.
يقول ورن بفت: «حينما ينحسر الموج فسرعان ما نعرف من كان يسبح عارياً». في دبي أغلب الديون عبارة عن قروض بغرض التطوير العقاري والاستثمار وهذه بطبيعتها تكون مبنية في أغلبها على الاقتراض وبيع وحدات سكنية التي في الأغلب تشترى عن طريق الاقتراض مما يجعل المصارف المحلية مثقلة بديون سرعان ما تكون غير عاملة بسبب توقف كثيرين عن التسديد بسبب فقد أعمالهم أو نقص حاد في استثماراتهم الاختيارية. موضوعياً دبي والإمارات عموماً ذات قاعدة سكانية قليلة ولذلك فإن هذه المشاريع تستهدف حتى 70 في المائة من الأجانب وهذه الفقاعة قابلة للاستمرار لحين «امتناع» البنوك عن التمويل.
رهان دبي على التطوير العقاري وانفصال ذلك عن المبرر الاقتصادي المنطقي رفع درجة المخاطرة وجعل من ديون دبي قنبلة موقوتة. للأزمة تداعيات كثيرة ولكن دعنا نضعها في إطارها الصحيح، فهي ليست إشكالية عالمية قياساً بما حدث في عام 2008 في المصارف الغربية، حيث إن البنوك الغربية اضطرت إلى شطب أكثر من تريليون دولار حتى الآن ويبقى نحو مثلها حسب بعض التحليلات. لعل أهم ما يقال عنها إنها ذكَرت العالم بهاجس الأزمة المالية خاصة ديون دول العالم الناشئ، فسرعان ما ارتفعت رسوم التأمين على سندات تلك الدول مما يرفع تكاليف التمويل على هذه الدول. التأثير الآخر المهم هو ذلك التأثير المباشر في المصارف المقرضة لدبي وهي تتركز على بنوك الإمارات وبنوك بريطانية مثل آر بي إس واتش إس بي سي وبعض البنوك الألمانية والفرنسية والخليجية؛ الجديد بالذكر أن المصارف السعودية سلمت بحكم عدم السماح لإقراض مشاريع مباشرة في دول أخرى من ناحية وبحكم تمنعها عن الدخول في شراء التزامات مالية صادرة لهذه الشركات. التأثير الآخر هو في علاقة دبي وأبوظبي الاقتصادية والمالية وبالتالي السياسية فأبوظبي وحتى قطر والبحرين في منافسة في أن تصبح المركز المالي في المنطقة، علماً أن المنطقة لا تتحمل أكثر من مركز. ولذلك فإن سمعة دبي ومستوى الرقابة المصرفية في الإمارات أصبحا محل تساؤل، خاصة على ما ذكر من تردد في دعم دبي، بل قد يقول البعض إن هناك حالة من الحسد والتشفي من نجاح دبي في ظل رغبة أبوظبي والدوحة للتمركز.
استقراءً للمستقبل فإن هناك عدة تساؤلات: فهل ستستطيع دبي إعادة الهيكلة لهذه القروض والمراهنة على أن تتحسن البيئة المصرفية مستغلة الماكينة الإعلامية الفعالة لاستعادة هذا الرهان التطويري؟ ما هو دور وحالة ما تقوم به أبوظبي ودبي من مساومات مالية وحتى سياسية للدعم ودرجة التحكم؟ وهل ستقوم دبي بمراجعة تامة لاستراتيجياتها ورسم أولوياتها؟
استطاع المرحوم الشيخ راشد تحقيق رؤياه الصحيحة، حيث إنه ليس لدى دبي كمية كبيرة من النفط وبالتالي راهن على قطاع الخدمات وحقق تدريجياً أهدافه إلى أن جاء الشيخ محمد بن راشد الذي أصبح أميراً عربياً مثالاً على اقتحام ميدان المنافسة العالمية وأراد أن تصبح دبي نقطة الاتصال بين جنوب آسيا الناهض وأوروبا خاصة في ظل الصعوبات السياسية والمؤسساتية في الدول الكبيرة المجاورة وبالتالي استغلال الفرصة لكي تصبح دبي مركزاً خدمياً في ظل الوفرة المالية واستغلالها للتسلية والسكن وغيرها من النشاطات. هذه النشاطات ذات العلاقة في أغلبها ثانوية ومتعلقة بالترفيه ومنطقها الاقتصادي عادة ما يكون هشاً في ظل أي هزة مالية، وهذا ما حدث بالفعل.