مرة أخرى.. لنتعلم من تجربة دبي
أعتقد أننا جميعا في دول الخليج يهمنا ما يجري في دبي ..
يهمنا نجاحها، ويهمنا عثراتها، لا أقول فشلها، لأن المبادر لا يمكن أن يكون فاشلا، يكون متعثرا أو خاسرا، فالفاشل هو من يخبط خبط عشواء، يقدم بدون حسابات أو احتمالات، يمضي ولا يتدبر أو يقدر، والمبادر يفكر ثم يضع الحسابات والاحتمالات، ولكن قد تكون مدخلات المعادلات والنظريات غير دقيقة والتطلعات كبيرة وبالتالي يحدث التعثر في التنفيذ، وهذا ما حدث في دبي.
مرة أخرى أقول إننا في دول الخليج كنا قبل عشر سنوات نعتز بالنجاحات التي تحققها دبي، وسنظل أوفياء لهذا الشعور الطبيعي، فأي نجاح أو إخفاق في أية دولة خليجية يصيبنا منه ثمن النجاح أو عواقب الإخفاق.
والآن مع تطور العثرات الاستثمارية في دبي نعيد الحديث، نعيده لكي نخرج بالعبر ونتعلم من دروس الحياة، لا نعيد الحديث لغير هذا, ولعل مع العبر يأتي الاعتبار.
المطلوب خليجيا أن تتبنى الغرف التجارية والصناعية في المنطقة برنامجا تعليميا منظما يحتوي على ندوات وورش عمل ومؤتمرات لأجل مراجعة الأوضاع المالية والاستثمارية التي حدثت في دبي، فقبل سنوات كنا نحضر المناسبات واللقاءات التي تقدم تجربة دبي على أنها أنموذج لنجاح السياسات الحكومية في جذب الاستثمارات وتشجيعها، وهناك من استفاد من هذه التجربة في بداياتها, وهناك من استفزته التجربة وحركت قواه وآلياته وتصوراته الكامنة.
الآن ليس عيبا أن نقيم مثل هذه الحلقات العلمية لمراجعة تجربة دبي.. لماذا تعثرت، كيف نقيم سياساتها، كيف نطور آلياتنا وأفكارنا وكيف نتجنب في المستقبل مثل هذه العثرات, والمهم كيف نكون جزءا من الحل لمساعدة دبي في ظروفها الصعبة.
دول الخليج مقبلة على تكامل اقتصادي ووحدة نقدية، ومن مصلحة الشعوب ومن مصلحة المنطقة ومن عوامل استقرارها أن تترابط مصالح شعوبها، ودول المجلس منذ سنوات دعمت مشاريع التكامل الاقتصادي، ودبي ربما كانت في مقدمة المدن الخليجية التي تحقق فيها التقاء مصالح دول المجلس والمستثمرين, سواء كانوا من الرواد الكبار أو حتى من المستثمرين الصغار, لهم حصتهم الكبيرة في مشاريع دبي, لذا ليس مستغربا أن تجد الأوضاع الأخيرة في دبي هذا الاهتمام الشعبي الكبير وتهتز أسواق المنطقة لما حدث فيها.إننا في منطقة ينظر لها العالم من حولنا على أنها مكان لشعوب تجمعها ظروف سياسية واجتماعية متجانسة ولها مصالح اقتصادية واحدة, وهذه الخصوصية التي تجمعنا نعي حقيقتها عندما تكون المنطقة إزاء أخطار وتحديات متجددة, ودول الخليج الآن تتعاظم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة حولها, وهي ظروف مصيرية خطيرة لا تحتمل أي إشكالات في الجبهة الداخلية لدول المجلس.
والأوضاع الأخيرة في دبي تحدٍ جديد لدول المجلس, ولعلنا نواجهها جميعا بذهنية من يريد أن يتعلم، وبروح من يريد أن يقف مع الآخر في الأزمات. وأيضا لعل القمة الخليجية القادمة تجدد هذه الأوليات، وتجدد الروح والذهنية لتجربة الوحدة, وأيضا لعل الأمانة العامة لمجلس الغرف الخليجية تطلق برنامج التعلم من تجربة دبي, وهكذا تفعل الشعوب التي تفكر في المستقبل.