لأجل «الأحياء» .. في الأحياء السكنية
الأمطار الغزيرة التي هطلت على منطقة مكة المكرمة وكانت بمعدلات لم تشهدها منذ عقود، وأدت إلى كوارث إنسانية واقتصادية وبيئية مازلنا نتقصاها وربما نحتاج إلى وقت طويل لحصرها .. هذه الكوارث بقدر الألم الذي تركته فينا جميعاً .. ربما تكون دافعاً جديداً للمضي في إعادة ترتيب بعثرة الأحياء السكنية في مكة المكرمة وجدة ويتم ذلك عبر المشروع الذي انطلق لإزالة الأحياء العشوائية، لإقامة أحياء جديدة خاضعة لضوابط البناء والتخطيط والتصميم الحضري، والأمير خالد الفيصل يقود مشروع الدولة بهذا الاتجاه وقد حقق هذا المشروع الوطني الدعم من الدولة وأيضا يحظى بالدعم من الناس لإدراكهم أن ثمة حاجة ماسة لإعادة تصحيح الأوضاع القائمة.
خادم الحرمين الشريفين يضع كل إمكانات الدولة المادية والأدبية للمضي في فك الاختناقات التي تعانيها الخدمات الأساسية، ووضع أولويات التنمية لتشمل جميع المناطق، وهذا التوجه ليس برنامجا على الورق, فمعطياته تتحقق على أرض الواقع كل يوم، وهذا البرنامج كل ما يحتاج إليه هو الوقت والجهد المضاعف لكي يؤدي إلى التغيير الحقيقي في حياة الناس.
وهذا هو الحال في جدة التي تعاني الآن أضرارا كبيرة، هذه المدينة المهمة لن تتبدل أوضاعها بين يوم وليلة, فاحتياجات البنية الأساسية واسعة، وجدة معروفة بعدم قدرتها على الصمود أمام المعدلات المتواضعة للأمطار، فكيف الحال مع المعدلات غير المسبوقة التي شهدتها الأيام الماضية. إن هذه المدينة تواجه مشكلة مزمنة تكاد تتشارك معها أغلب المدن، وليست مقتصرة عليها.
المعروف في أغلب مدننا أن الأحياء السكنية قبل أربعة عقود تقريبا تنامت بشكل سريع في أطراف المدن، وهذا النمو كان استجابة لحاجة الناس إلى المساكن مع انطلاق الطفرة العمرانية في الإسكان التي دعمتها الدولة بقوة، وبالطبع في تلك السنين لم تكن الاعتبارات والمحاذير المتعلقة بمخاطر السيول تلقى الاهتمام الكافي سواء من المسئولين في أدنى ووسط الجهاز الحكومي أو حتى من الناس، وهذه التجاوزات للاعتبارات والمحاذير البيئية عندما اتضحت للدولة لم تتركها تمر دون معالجة علمية ونظامية.
وهذا ما حدث، فقد أجيزت (الاستراتيجية العمرانية الوطنية) في منتصف التسعينيات بعد دراسات ونقاشات مكثفة وواسعة، وهذه الاستراتيجية جاءت بضوابط لتخطيط الأحياء السكنية، ووضعت المحددات الشاملة للتنمية لكل منطقة، وأعطت الاهتمامات لمناطق الثروات الطبيعية، ووضعت الإرشادات لفسح المخططات السكنية، لإبعادها عن مناطق الأودية والسيول وأماكن الثروات الطبيعية.
هذه الاستراتيجية ساعدت على تجاوز كثير من السلبيات في تخطيط المدن، وهذا يعني أن الدولة كانت مدركة لخطورة الأوضاع القائمة، ولكن مع كثرة المخططات السكنية التي فسحت قبل وضع هذه الضوابط ، لم يكن من السهل تصحيح الأوضاع القائمة السابقة.
في جدة, وفي غيرها من المدن, يتم الآن تنفيذ مشاريع بآلاف الملايين للصرف الصحي وتصريف السيول، وهذه توفر حلولا عاجلة وبعيدة المدى، وفي جدة على وجه الخصوص, يدعم هذا التوجه المسار الذي أخذته مدينة جدة وباشرته عبر إزالة الأحياء العشوائية.
وأخيرا, نقول إن توجيهات خادم الحرمين الشريفين التي صدرت لمعالجة الأوضاع القائمة ووضع الحلول الجذرية للمشكلة, هذه بداية للعمل بشكل سريع لإيجاد الحلول بعيدة المدى لمشكلات الأحياء السكنية، وهذا التوجه هو ما نتطلع إلى التوسع فيه ودعمه من قبل الدولة ومن قبل المجتمع، فنجاح هذا المشروع ضروري حتى لا تتكرر المآسي سواء في جدة أو في غيرها, وما وضعته الدولة من أنظمة وضوابط يفترض أن نتمسك بها وندعم تطبيقها حتى لا تتكرر المشكلات التي وقعنا فيها وحتى نتجنب الكوارث التي تهددنا جميعا, وتأخذ منا أعز ما نملك, أرواح أهلنا وإخواننا, فلا أحد معزول عن تداعيات الكوارث.