الاستثمار .. ومنشآتنا الصغيرة

إلى أي مدى استطاعت المنشآت الوطنية الصغيرة أن تنشط وتتطور في ظل أنظمة الاستثمار خصوصا نظام الاستثمار الأجنبي وبعد وجود هيئة عامة للاستثمار ترعى، أو يفترض فيها أنها ترعى، مصالح هذه المنشآت وتعزز بنيتها القانونية والإدارية؟
يمكن، نظريا، الحسم بالإجابة بأن عديدا من اللوائح والأنظمة باتت واضحة لدى المنشآت، وأنها باتت تعرف الإجراءات والالتزامات.. لكن هذا شق نظري لا يقدم إجابة عن السؤال، لأن الإجابة تتطلب بالدرجة الأولى قياس أداء منشآتنا الوطنية الصغيرة منذ تأسيس الهيئة وصدور الأنظمة ودخول مستثمرين أجانب.
وهناك سبيلان لقياس الأداء.. أحدهما من خلال نسبة مساهمة القطاع الخاص غير النفطي في مجمل الدخل الوطني، وهذا لا يعطي نتائج دقيقة لأن مساهمة القطاع الخاص غير النفطي تشمل أحجاما مختلفة من المنشآت، المؤثر فيها بالطبع هي المؤسسات الكبيرة، تليها المتوسطة ثم الصغيرة.. وهكذا سيتعين علينا أن نفرز نسبة إسهام كل واحدة على حدة وهذا عمل شاق، لأنه يعني دراسة ميدانية إحصائية شاملة لجميع منشآت القطاع الخاص تغطي كل الأنشطة ما عدا القطاع النفطي وهو أمر يتعذر معه التحقق على النحو المطلوب.
أما الأسلوب الآخر لقياس أداء المنشآت الوطنية الصغيرة فيمكن أن يعتمد نظام العينات في كل منطقة باختيار عدد من المنشآت مختلفة النشاط ومقارنة أدائها الحالي بالسابق، أي مدى ما تحققه من موارد ومدى جودة إنتاجها وكفاءة كيانها بما كانت عليه قبيل تأسيس الهيئة وصدور الأنظمة ودخول المستثمرين.
هذا النوع من الدراسة، أو المسح العيني كفيل بأن يقدم إجابة قاطعة بشأن إفادة منشآتنا الصغيرة من أنظمة الاستثمار ومدى تأثرها بها، وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية في هذا الشأن؟
يمكن أن تتولى هذه المهمة مراكز البحوث والدراسات في جامعاتنا أو في القطاع الخاص، لكنه بالأساس مهمة من مهام كل من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات من ناحية والهيئة العامة للاستثمار من ناحية أخرى. . وهما لم تقوما بمثل هذا العمل بعد.. فهل تفعلان؟!
أما لماذا هذه الدراسة، وما جدواها.. فكما سبقت الإشارة.. إنها ـ أولا ـ لمعرفة مدى ما أحدثته الأنظمة والهيئة من مؤثرات في مجريات نشاط تلك المؤسسات وفاعليتها أو مدى هذه الفاعلية، إضافة إلى أن الدراسة ستكشف الجانب الآخر من الجبل، أي أهمية ونوع وحجم ووزن الاستثمار الأجنبي وعلاقته بسوقنا ومنشآتنا من خلال المنافسة وأسلوب هذه المنافسة التي قد تكون تعمل لصالحه على حساب مصالح المنشآت الوطنية الصغيرة.. الأمر الذي يتيح إعادة النظر بأنماط الاستثمار ووزنه وشروطه لضمان أن يكون وسيلة تحفيز وليس وسيلة تثبيط، عامل ارتقاء وليس حالة طفيلية، يمارس نشاطه بشفافية وليس باستغلالية وانتهازية، وبالتالي ستكون نتائج الدراسة بمثابة تنبيه علمي لكي يتم تنظيف الفضاء الاستثماري من التلوث المهني والأخلاقي وحماية منشآتنا الوطنية الصغيرة لتكون صاعدة إلى الترقي والتطور وليست مدفوعة إلى التدهور!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي