الرسالة الأخيرة
إذا كنا نعمل جاهدين على حماية أبنائنا من أن يسقطوا في مستنقع المخدرات الذي يؤدي بهم إلى الهلاك، ونحرص على تحصينهم من أن يقعوا في مصيدة الإرهاب الذي يؤدي بهم إلى التهلكة ونسعى إلى توعيتهم بأضرار كثير من العادات السيئة التي قد تقضي عليهم فيجب علينا أيضاً أن نكثف من جهودنا لكي نحميهم أيضاً من أنفسهم ومن الإهمال الذي قد يؤدي بهم وبغيرهم إلى الموت.
حوادث السيارات في المملكة أصبحت تشكل قلقاً كبيراً للمجتمع فهي في ارتفاع يوماً بعد يوم ففي الوقت الذي كان فيه عدد الوفيات من الحوادث لا يتجاوز 3130 وفاة قبل عشرة أعوام، فقد تضاعف هذا العدد اليوم حيث بلغ عدد الوفيات في عام 2008م 6358 وفاة، كما أصبحت حوادث الطرق في المملكة من أعلى المعدلات العالمية إذ يبلغ معدل الإصابات في تلك الحوادث نحو ثماني إصابات في كل حادث تكلف الاقتصاد الوطني نحو 12 مليار ريال سنويا في حين أن المعدل العالمي للإصابات من الحوادث يسجل إصابة واحدة لكل ثمانية حوداث، وقد حصدت هذه الحوادث خلال العشرة أعوام الماضية أكثر من 35 ألف قتيل و200 ألف مصاب منهم 5 في المائة أصيبوا بإعاقات جسدية.
واليوم وفي عصر التقنية والسرعة يقوم البعض باستخدام هذه الوسائل بأسلوب يسهم في زيادة هذه الحوادث ورفع معدلات الإصابة والقتلى وذلك من خلال استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، ولئن حرص البعض على استخدام سماعة البلوتوث في المحادثة الهاتفية أو من خلال دمج نظام الهاتف الصوتي بنظام السيارة فإن الثانية التي يتم من خلالها النظر لمعرفة من المتصل أو طلب رقم للاتصال كفيلة بأن تؤدي إلى حادث مهلك لا تحمد عواقبه.
واليوم نرى كثيراً من السائقين لا يكتفون بالتحدث بالهاتف أثناء القيادة بل يقومون أيضاً بقراءة الرسائل الهاتفية والرد عليها أثناء القيادة، وكثيراً ما ترى بعض الأفراد عند الإشارة المرورية وبعد أن تضاء باللون الأخضر وهو مشغول بكتابة رسالة ومن خلفه الناس ينتظرون انتهاءه من إرسالها وبعضهم يقوم بكتابة الرسالة وهو يقود السيارة وهو بذلك يعرض حياته وحياة الآخرين لخطر كبير، بل إن هذه الرسالة التي هو مشغول بها قد تكون – لا سمح الله – الرسالة الأخيرة في حياته والتي قد لا تكون مهمة بل تكون عبارة عن رد سلام أو تعليق أو غيرها من المحادثات الهامشية.
إن مؤشر تصاعد الحوادث سيبقى مستمراً ما لم تكن لنا وقفة جادة مقابل هذا الاستهتار الذي طغى على معظم الذين يقودون السيارات فنحن لم نكتف اليوم بمشاكل قطع الغيار المغشوشة أو عدم صلاحية بعض الطرق للقيادة ليضاف إلى ذلك ارتفاع مستوى تجاهل أنظمة المرور مثل قطع الإشارات أو عكس الطريق أو تجاهل الإشارة المرورية بل ارتقينا في سلم المخالفات لنقوم باستخدام الهاتف بشكل سيء أثناء القيادة بل إن البعض تمادى في هذا الأمر ليتابع بعض المسلسلات والمباريات الكروية وهو يقود من خلال الشاشات التلفزيونية التي أصبحت موجودة داخل السيارات.
إن معظم ضحايا هذه الحوادث هم من فئة الشباب الذين هم عماد الوطن والذين تركوا خلفهم آباء وأمهات يتمنى بعضهم أنه لم يقدم لابنه سيارة ليقودها فيلقى بها حتفه، ومع إيماننا بالقضاء والقدر إلا أن ما نراه أمامنا من استخفاف بالأنظمة وعدم احترام لحقوق الآخرين أثناء القيادة يتطلب منا أن نعيد النظر في أسلوب تربية أبنائنا على هذا المفهوم، كما يحتاج منا إلى حملة متواصلة ومركزة لتغيير ثقافة المجتمع تجاه الأنظمة المرورية، فالحملات المرورية المؤقتة أثبتت فشلها عاماً بعد عام لأنها لا تعدو أن تكون حملة شكلية مظهرية إعلانية، وما نحتاج إليه اليوم هو حملة مؤصلة متكاملة تنطلق من الأفراد أنفسهم ومن داخل بيوتهم وعبر المدارس وأماكن العمل وتنتهي بالتطبيق في الطرق.