هل عقوبات هيئة سوق المال فعالة؟!

أعلنت هيئة السوق المالية فرض غرامة مالية مقدارها 50 ألف ريال على رئيس مجلس إدارة الشركة الكيميائية السعودية وكل عضو من أعضاء مجلس إدارتها، لمخالفتهم المادة (28) من قواعد التسجيل والإدراج، التي تنص على أنه ''يجب على أعضاء مجلس إدارة المصدر ممارسة صلاحياتهم وتنفيذ واجباتهم بما يحقق مصلحة المصدر'', وذلك لموافقتهم على صفقة شراء الشركة التابعة (سيتكوفارما) نسبة 15 في المائة من حصص الشركاء في شركة الموارد التجارية المحدودة على الرغم من أن لرئيس مجلس الإدارة مصلحة في الصفقة دون ترخيص من الجمعية العامة، مع عدم الإفصاح في إعلان الشركة في موقع تداول بتاريخ 2/7/2008 عن ارتباط الصفقة بطرف ذي علاقة.
هذا الإعلان لا شك أنه يسعى إلى تصحيح الممارسات التي تطبقها الشركات المدرجة في سوقنا الغضة، ويعزز أسس الحوكمة الواجب تطبيقها في الشركات المدرجة، ووفقت الهيئة في كشف وجود المخالفة المتمثلة في تحقق المصلحة الشخصية لرئيس مجلس الإدارة في عملية الاستحواذ, إضافة إلى تمرير الصفقة دون الحصول على ترخيص الجمعية العمومية عليها، وهذا في حد ذاته إنجاز مهم يحسب للهيئة، وتابعت الهيئة بفرض العقوبة، ثم الإعلان عنها، ولا شك أن ذلك كله محمود للهيئة وتشكر عليه.
ولي مع هذه الحادثة وقفات
الوقفة الأولى: أن الإعلان لم يوضح رأي الهيئة في الصفقة، وهل هذه العقوبة هي المطلوب على الأعضاء ورئيسهم سدادها وحسب! وأن الصفقة ما زالت قائمة وتحتاج إلى موافقة الجمعية العمومية عليها فقط أم أن الهيئة أوقفت الصفقة, وهذا الإعلان يعد إعلاناً من الهيئة بإيقاف صفقة الاستحواذ؟ أعتقد أن العقوبة الأهم تكمن في إيقاف الصفقة وعدم متابعتها تحت جميع الظروف، وفي هذا الإجراء ''إلغاء الصفقة'' عقوبة مهمة ورسالة أهم ورادع قوي لبقية الشركات المتداولة مستقبلا.
الوقفة الثانية: أن الإعلان لم يذكر أسماء رئيس وأعضاء مجلس إدارة ''الكيميائية'' بالاسم وإنما وصفهم بالوصف فقط، والحقيقة أن في ذلك عقوبة للشركة وليس للأعضاء! حيث إن المشكلة غير مرتبطة بالشركة مثل تأخير إعلان النتائج أو ما شابهها، ولكنها مشكلة شخصية تركز على إخفاء حقائق مؤثرة في صفقة استحواذ، وإخفاء المصلحة المباشرة لرئيس المجلس يلصق الشبهة بالصفقة وأحوالها ومصلحة الشركة فيها! أعتقد أن الهيئة كان يجب عليها في مثل هذه الحالة الإعلان (التشهير) بأسماء أعضاء المجلس ورئيسه وفي ذلك عظة لمجالس الشركات الأخرى.
الوقفة الثالثة: هل العقوبات التي تم إقرارها كافية؟ من وجهة نظري الشخصية أعتقد أنها عقوبة غير رادعة بجميع المقاييس، فماذا يعني تحمل الأعضاء مبلغ 50 ألف ريال في سبيل إتمام صفقات قد تشمل مصالح مستترة بملايين الريالات؟! العقوبة المالية غير كافية من حيث المبدأ كما أن العقوبة لم تشمل أي عقوبة معنوية، التي أعتقد أنها أهم من العقوبة المادية في هذه الحالات، فقد فرضت الهيئة كثيرا من العقوبات المعنوية على أعضاء مجالس الإدارة لاستفادتهم من معلومات داخلية، فما بالك بمن يصنع الفرصة داخل الشركة وعلى حسابها ويستفيد منها ويبارك له مجلس الإدارة ذلك ثم يتم ذلك كله على طريقة ''سكتم بكتم ولا من شاف ولا من دري'' وبعيدا عن كل قوانين الهيئة وأدبيات السوق! أعتقد أن الأولى هنا منع رئيس المجلس والأعضاء من المشاركة في مجالس الإدارة للشركات المدرجة في السوق لفترة زمنية لا تقل عن خمس سنوات، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
الوقفة الرابعة: هل سيقوم أعضاء المجلس ورئيسة بدفع الغرامة من جيبهم الخاص أم ستتحملها عنهم الشركة! أعتقد أن القرار كان يجب أن يطلب من المحاسب القانوني للشركة التأكد من عدم سداد الشركة هذه الغرامات, إضافة إلى عدم تعويض الأعضاء بمكافآت مقابل الغرامة التي سددوها من حساباتهم الخاصة إن تم ذلك على طريقة (وين أذنك يا حبشي).
الوقفة الخامسة: لماذا العقوبة متساوية للأعضاء ولرئيس المجلس, فالمسؤول الأعلى هو رئيس المجلس، وصاحب المصلحة هو رئيس المجلس! فلماذا تكون العقوبة له ولباقي الأعضاء متساوية؟ أعتقد أن التفرقة في العقوبة مهم لاختلاف المخالفة والذنب، فيجب أن تكون عقوبة الرئيس المادية والمعنوية أكبر من باقي الأعضاء.
في رأيي أن هذه الحادثة يجب أن تعزز أهمية الحوكمة في الشركات المساهمة، بل تؤكد أن الحوكمة لدينا ما زالت في بداياتها من حيث التطبيق والممارسة، وهي ''مكانك راوح'' ومع الأسف من حيث الفكر والبيئة المصاحبة.
أخيرا .. من المفترض أن يكون لهذا القرار تبعاته على مجالس إدارة الشركات المساهمة، سواء من حيث حسن الاختيار (أقصد هنا اختيار الأعضاء للشركات المساهمة الأفضل التي سيشاركون في مجالسها)، أو في المسؤولية التي ستكون عليهم، أو في العقوبات التي من الممكن أن تفرض عليهم بسبب مخالفات الشركة أو مجلسها، والأهم من ذلك ارتفاع مستوى الاستقلالية الذهنية للأعضاء، ولا شك أن كل هذه العوامل ستؤثر في الأتعاب التي يتقاضونها مقابل تحمل تلك المخاطر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي