المتطلعون إلى النجوم
''وضعي مزر ! أنا في ضائقة لا يعلم بها إلا الله.. ظروفي سيئة جدا.. لا يوجد أمل.. الكل ضدي.. الحظ لا يبتسم لي أبدا.. لا يمر يوم دون منغصات .. الحياة كلها نكد في نكد..''
هل تبدو هذه الصورة مشابهة لما تسمعه يتكرر من الكثير ممن حولك، أو ربما تسمع شيئا من أصدائه بين جنبيك؟
كلنا تمر عليه لحظات يشعر فيها بأنه محبط، يحس أن الحياة تسير به في اتجاه معاكس لما يتمناه، المشكلات تعصف به من كل جانب، والهموم تتخطفه في كل اتجاه، وهو يشعر بالعجز حيالها، كالذي يجرفه الموج وهو مبتدئ في السباحة، ويحس في قدرته على المقاومة تضعف مع الوقت، ويحس أنه أوشك على الغرق.
هذا الشعور من الطبيعي أن يمر به الإنسان في بعض الأحيان، فيحس بإحساس من وقع في خندق أو حفرة كبيرة. ولكن الناس يختلفون في رد فعلهم تجاه هذه المشاعر والأفكار. هناك من تستهلكهم هذه المشاعر والأفكار وتبتلعهم تماما، فيصبحون مأسورين في إطارها لا يرون أبعد من أسوارها. هم دائمو التسخط على أوضاعهم، كثيرو التذمر من واقعهم، لا يفوتون فرصة إلا وكالوا الآهات والتأوهات، وهم بذلك قد دفنوا رؤؤسهم في الحفرة وأبقوا أنفاسهم بين جنباتها.
وهناك من تطلع إلى السماء واستشرف النجوم. واقعه لا يختلف عن واقعهم، وهمومه لا تقل عن همومهم، ولكن نظره دائما معلق بالسماء، واستنشاقه أبدا متلمس للهواء الطلق، وأفكاره كثيرا ما تسرح في غد أفضل وقلبه مستشرف لأمل جديد وهو بذلك وإن كان جسمه مازال في الحفرة نفسها والخندق ذاته ولكن نفسه قد التقطته من الهواء الطلق الذي يعلو الحفرة وصوب نظره إلى أفق السماء الذي يتطلع إليه.
إنه الفرق بين الإيجابي والسلبي. هذا الفرق الكبير الذي قد يكون سببا في أن تنتهي حياة أحدهم في الخندق وتنتهي حياة الآخر في بستان جميل !
عندما كان يحدث جيرانه في الخندق عن أمله في الخروج وعن الغد المشرق أمامه كانوا يسخرون منه. فمنهم من كان يرى أنه مجنون، ومنهم من كان يقول : لا تخدرنا بهذه الأوهام ، ومنهم من كان يعتقد أنه لا يفقه الواقع وأنه متعلق بالمثاليات، ومنهم من كان يحذره من الإفراط في قراءة كتب تطوير الذات.
ولكنه كان يذكر نفسه دائما بما قرأه في العديد من الكتب وما سمعه في الكثير من الدورات وما جربه بنفسه من أن واقع الإنسان ومستقبله تصوغه أفكاره التي يفكر فيها أغلب الوقت وصورته الذهنية عن المستقبل أكثر من أي شيء آخر، هذه الحقيقة المفصلية الجوهرية قد تعني الفرق بين السعادة والتعاسة وبين النجاح والفشل.
وكان يسلي نفسه بأنه إذا أبقى نظره إلى النجوم فإنه لن يعدم من ثلاث فوائد على الأقل:
1. أنه يفعل قانون ''الجاذبية'' . وهذا القانون يشير ببساطة إلى أنك تجتذب في حياتك ما له علاقة بالأفكار التي تفكر فيها أغلب الوقت. فأنت عندما تفكر في الفشل والإحباط وتظل تنسج حولهما كل أفكارك ومشاعرك فإن هذا سيستقطب حولك المزيد من الإحباط والفشل، وسيستدعي حولك الفاشلين، وسيحبطك عن أي فرصة لمحاولة الخروج مما أنت فيه. والمقابل، إذا أنت فكرت دوما في الأفكار الإيجابية واستحضرت صورة جميلة لمستقبلك (مهما كانت ظروفك الحالية سيئة) فأنت تستحضر بالتالي المزيد من الأفكار الإيجابية وتستدعي المشاعر المتفائلة، وتجتذب الأشخاص الذين يشاركونك هذه المشاعر والأفكار.
2. أنه يسمح لك بأن ترى الأشياء الجميلة حولك وتقدر نعم الله عليك، وبالتالي تستطيع أن تستغل الفرص المتاحة أمامك والتي ستفتح لك أبواب المستقبل. هذه الفرص لا يراها الشخص الآخر المرتمي في أحضان السلبية.
3. أن هذا النوع من التفكير يساعدك كمهدئ موضعي يساعدك على تخطي أزمتك حتى وإن لم تستطع أن تفعل شيئا تجاهها، ولا بأس سأستخدم كلمة ''مخدر'' التي يرددها منتقدو هذا التفكير. ما المانع؟ أولسنا نستخدم المخدر إذا عملنا العملية الجراحية؟ أولسنا نستخدم الأدوية المخدرة لعلاج مرضى السرطان المتقدم؟ أولسنا نستخدم مضادات الألم في حالات الكسور والجروح والحروق بينما نترك الفرصة للجسم في علاج نفسه؟ فلماذا لا نستخدم التفكير الإيجابي كمخدر علاجي يساعدنا على تخطي أزماتنا والتعامل معها بشكل ألطف وأقل ألما، حتى وإن لم نحقق به النقطتين السابقتين. فما بالك وأثره كما ذكر في النقطتين السابقين أكبر من ذلك بكثير. غير أن التفكير الإيجابي لا يعني بالطبع أن يعيش الإنسان خارج واقعه وأن يلبس على نفسه. لا يعني أن يظن أنه قد خرج من الخندق وأنه الآن بين النجوم. لا يعني أن يكون ساذجا يرى السفينة تغرق وهو يمني نفسه بالنجاة، ولا أن يمتنع عن الاستماع إلى هموم الآخرين وآلامهم. ولا يعني أيضا أن نمتنع عن نقد واقعنا أو مناقشة مشكلاتنا المزمنة، ولكن دراسة واقعنا والتحدث عن مشكلاتنا لا بد أن يكون بإيجابية تستغل لمحاولة حلها وبأمل في مستقبل أفضل، هو نقد بناء كما يقولون وليس نقدا محبطا مخذلا.
في المرة القادمة التي تمر فيها بهذه الحالة النفسية المؤلمة، بل في حياتك كلها، حاول دائما أن تبقي أفكارك إيجابية، وأن تطرد كل المشاعر والتصورات السلبية، وأن تتفاءل بغد أفضل، وأن تتذكر أن واقعك ستصوغه أفكارك، وأن أفكارك ستولد مشاعرك، وأن مشاعرك ستفعل قانون الجاذبية وستقذف بك في دوامة لا نهاية لها من القلق والألم لن تساعدك أبدا على تخطي مشكلاتك.
تذكر أخيرا: أن الذي يبحث عن الضوء لا يمكن أن يجده إذا استنفد حياته كلها في لعن الظلام وأننا جميعا نقع في الخندق مرات، ولكن بعضنا (الناجحون منا) يتطلعون إلى النجوم ويستنشقون الهواء الطلق.