7:30 صباحا .. هل ما زالت ضرورة؟
العمل الحكومي حتى يحقق متطلباته وينافس ضمن قطاعات الدولة المختلفة يحتاج إلى أن يرتكز على أربعة عناصر أساسية مترابطة ومتكاملة, هي: الالتزام بساعات العمل وإنجاز الأعمال الموكلة بها كل إدارة أو جهة ثم إتقان الإنجاز بحيث لا تصبح المعاملة أو صاحبها يدور في حلقة مفرغة بين مختلف المؤسسات الحكومية أو داخل إحداها ويأتي التطوير للعمل كركن رابع لتحقيق التنافسية ضمن القطاع الحكومي. ولهذا عندما أقول إن الركائز الأربع ضرورية, وهي: الالتزام, الإنجاز, الإتقان, والتطوير, فإنني أعني أهمية تلازمها بعضها مع بعض بحيث نحقق الهدف المرجو.
الإنجاز والإتقان والتطوير تتأثر بشكل أساسي ومباشر بمدى الالتزام بساعات العمل من الحضور في الوقت المحدد والبقاء ساعات العمل كاملة ثم الخروج في الوقت المحدد أيضا, واليوم تعاني المؤسسة أو القطاع الحكومي خللا كبيرا ومعروفا للجميع فيما يتعلق بالقدرة على الإنجاز وإتقان الإنجاز وتطوير العمل لأن أغلبية العاملين في هذا القطاع غير قادرين على الالتزام بساعات العمل, خصوصا الحضور المبكر أو ما يطلق عليه اصطلاحا «7:30 صباحا», هذا الوقت الذي أصبح قضية شائكة في مسلسل العمل الحكومي, الأغلبية تكذب عندما توقع وتكتب الوقت «7:20» لأنها لم تحضر في هذا الوقت, إدارات المتابعة تستنفد قدراتها وطاقاتها في متابعة الحضور في هذا الوقت, إدارات الشؤون الإدارية والمالية مستهلكة في سبيل تنفيذ الجزاءات والغرامات على المخالفين، والمحققون ليس لهم هم إلا استدعاء هذا الموظف أو ذاك للتحقيق معه عن سبب تأخره, بمعنى أن عديدا من المسؤولين العاملين في المؤسسة الحكومية يستنفدون وقتا ليس بالقليل من أجل متابعة الدوام والالتزام بساعات العمل على حساب العمل.
في المقابل عندما يحضر المسؤول أو الموظف متأخرا فإنه يصبح مغرقا بالعمل ولا يملك الوقت للتفكير في إتقان العمل أو تطويره, بل إن بعض المسؤولين أو المديرين في الإدارات المتوسطة, وهي إدارات مهمة في منظومة العمل الحكومي, لم يعودوا قادرين على قراءة المعاملات وإنما تأشيرها, أو كما يقال تركينها أو توقيعها دون تدقيق في موضوعها أو نظاميتها أو حتى أخطائها الإملائية, ومن هنا أصبح العمل المنجز ركيكا وربما فاسدا نتيجة قناعة الموظف الأصغر بأن رئيسه ورئيس رئيسه لا يطلعون على ما يكتب ويقرر فيعمل على تمرير الموضوعات وفقا لهواه أو مصالحه الشخصية أو المادية, وهذا خلل كبير في سبيل حفظ وحماية حقوق الناس والسلسلة مستمرة في هذا الشأن الناتج عن تأخر حضور الموظفين للعمل في الوقت المحدد بالساعة «7:30 صباحا».
«7:30 صباحا» وقت لا يحترمه كثيرون إن لم يكن الجميع, ولهذا فإن الأمر يتطلب إعادة النظر في هذا النظام الوقتي غير المحترم بتغييره وإيجاد وقت أكثر ملاءمة للجميع للالتزام به, بحيث نحقق الركن الأساسي في معادلة العمل الحكومي. والحقيقة أنني أستطيع أن أكتب الكتب لشرح وتفسير إشكالية عدم الالتزام بالحضور في الوقت المحدد وأثره السلبي في الموظف والمسؤول والعمل وصاحب العمل والأسرة إلى آخر القائمة التي نعرفها جميعا, حتى أن أحد المسؤولين يذكر أنه لا ينام من اليوم إلا قليله بسبب عدم قدرته على الحضور المبكر وأن تأخره ينعكس على كامل يومه وعطائه وعلاقته بأسرته.
المطلوب منا مراجعة وقت بدء العمل من الساعة «7:30 صباحا» ودراسة بدائل وقتية مختلفة يمكن من خلالها اقتراح البديل الأنسب الذي يحقق للغالبية ــ إن لم يكن الجميع ــ القدرة على الالتزام والإنجاز والإتقان والتطوير, هذا التغيير في الوقت الصباحي سيؤثر في قطاعات أخرى, من أهمها قطاع التعليم, وهنا نحتاج أيضا إلى إعادة ضبط الوقت الجديد لوقت ذهاب أبنائنا من الجنسين إلى مدارسهم بدلا من الصحوة المبكرة جدا, وما نعرفه جميعا من مشكلات الإيقاظ والانضباط للطلاب في المدارس, خصوصا الطابور والحصة الأولى, هؤلاء الأطفال والشباب عندما يتعلمون عدم الانضباط في بداية حياتهم سيستمرون في ذلك في مراحل حياتهم وأعمالهم المستقبلية وبهذا تضيف عبئا جديدا على مستقبل العمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو غيره من قطاعات الدولة.
إن المتأمل لعمل المؤسسة الحكومية ومن عايشه أو تعامل معه يعي ما أعنيه وتعانيه المؤسسة الحكومية بسبب عدم الانضباط والالتزام بساعات العمل, خصوصا الحضور في الوقت المحدد أو المبكر, ولهذا دعونا مثلا ننظر في مدى إمكانية أن نغير بداية العمل بدلا من الساعة 7:30 صباحا نجعله الساعة التاسعة صباحا ويكون عمل المؤسسة الحكومية ولكل القطاعات والمسؤولين من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة الرابعة مساء, وبهذا نعطي للموظف والمسؤول مزيدا من الوقت لأخذ قسط من الراحة أو النوم بعد صلاة الفجر ونحقق وجود الجميع في مكاتبهم في هذا الوقت الجديد المقترح. هذا مجرد تفكير بصوت مسموع لعلنا من هذا التغيير نستطيع أن نعالج ركن الالتزام حتى نحقق معه نجاح بقية الأركان أو المرتكزات الأساسية للعمل الحكومي, وبهذا نبدأ مرحلة من مراحل كثيرة الإصلاح وتطوير القطاع الحكومي بشكل خاص, وربما يقترح تطبيق هذا التعديل بشكل مؤقت لينظر هل يمكن أن يحقق الهدف المرجو أم لا ثم يصار إلى اعتماده أو تعديله أو إلغائه, أما السكوت عن عدم التطوير والتقويم والمتابعة فهو أمر غير سليم ونتائجه نراها اليوم في المؤسسة الحكومية بحيث لم يعد خافيا حتى على أصحاب القلوب العمياء أو الميتة. بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان إسلامي المعتقد عالمي الطموح.
وقفة تأمل
مررت برسم في سيات فراعني
به زجل الأحجار تحت المعاول
تنازعها عبل الذراع كأنما
رمى الدهر فيما بينهم حرب وائل
أتتلفها شلت يمينك خلها
لمعتبر أو زائر أو مسائل
منازل قوم حدثتنا حديثهم
ولم أر أحلى من حديث المنازل