هل أصبحت المالية الإسلامية اليوم مطلبا عالميا؟
قبل بضعة أيام وبالتحديد يومي الخميس والجمعة في الفترة بين 10 و11 ذي القعدة لعام 1430هـ الموافقين 29 و30 تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2009, كنت برفقة عدد من الزملاء من أعضاء الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل, للمشاركة في المؤتمر الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن ويحمل عنوان ‘’نافذة المستثمر العالمي وآفاق المستقبل 2009 - المصرفية والمالية الإسلامية، حلا قابلا للتطبيق للأزمة المالية الحالية’’ ونظم المؤتمر بالتعاون بين الهيئة الإسلامية وشركة UCI INTERNATIONAL البريطانية المتخصصة في تنظيم المؤتمرات، وكان الملتقى نافذة لكثير من رجال الأعمال والمستثمرين على المستوى العالمي، وذلك للبحث عن فرص الاستثمار والتمويل، وعرض فرص على المهتمين من مختلف دول العالم بقضية الاستثمار.
ولعله في السابق كان الشعور لدي أن الاهتمام بالمالية الإسلامية يجد صدى لدى مؤسسات محدودة في العالم مثل المؤسسات المالية في الدول الإسلامية وبعض الدول الأوروبية والأمريكية، وعدد من الدول في شرق آسيا. وذلك إما للانفتاح الاقتصادي الذي تشهده تلك الدول وإما لأنها كيانات اقتصادية كبرى وتحاول أن تأخذ قصب السبق لأي فرصة استثمارية. وذلك واضح من الأخبار والتصريحات والتقارير والمقالات التي تتناقلها وسائل الإعلام بشكل دوري، أو لوجود علاقات تجارية واستثمارات في دول إسلامية, وبالتالي تعد هذه واحدة من الفرص.
ولكن ما أثار الاستغراب هو أن دولا من شرق أوروبا بدأت قبل فترة وجيزة الانفكاك من وطأة النظام الشيوعي، وبدأت في مرحلة الانتقال مرحليا إلى الفكر الرأسمالي، والبحث عن فرص الاستثمار في الخارج واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وإيجاد فرص للتمويل واستحداث فرص للعمل, سواء على المستوى الزراعي أو الصناعي أو العقاري كان لها حضور في المؤتمر.
ولقد كان هناك اهتمام كبير بالمالية الإسلامية, وأخذ المساحة الأكبر من النقاش وجذب اهتمام كثير من الحضور, وكانت هناك تساؤلات كثيرة عن المالية الإسلامية, كنوع من الأدوات التي يمكن أن تمثل فرصا للاستثمار فيها, والحصول على تمويل من خلالها.
ولعل ما يميز ذلك الطرح أن هناك من يعتقد أيضا أنه مع وجود عامل المخاطرة في الأدوات المالية الإسلامية إلا أن هناك عاملا مهما يضاف لمصلحة الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة وهو أنها تعتمد على الأصول, بدلا من الديون, وهذا يعطي انطباعا بأنه قد تكون كفاءة الأدوات المالية الإسلامية جيدة من جهة مستوى المخاطرة.
ومن خلال الطرح والنقاش تمت ملاحظة أن هناك رغبة لكثير من رجال الأعمال للتعرف أكثر عن المالية الإسلامية, خصوصا أن الأزمة المالية العالمية لم تؤثر بشكل مباشر في المؤسسات المالية الإسلامية. سواء من خلال تكثيف ونشر الملتقيات المخصصة في المالية الإسلامية على مستوى العالم أو التواصل بطرق مختلفة في هذا الموضوع.
ولكن يبقى لنا أن نتساءل عن أمور منها:
هل الطرح الموجود للمالية الإسلامية مثالي من جهة توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ حيث إن الناس اليوم بين متوسع في استخدام هذه الأدوات وبين من لا يؤمن بصحتها ويعارض وجود مبدأ المصرفية الإسلامية, إذ إنه يرى أنها والمصرفية التقليدية وجهان لعملة واحدة, مع إضافة اسم إسلامي, كما لو قيل لحم خنزير حلال. وهذا يجعل هناك عبئا كبيرا على الباحثين والمتخصصين في هذا المجال لتعريف الناس به بشكل واضح, وطرح الأفكار والحلول, ودراسة النماذج المطبقة في السوق, للتأكد من توافقها مع الشريعة الإسلامية, وأن فيها فعلا فرصا للمستثمرين.
الأمر الآخر هو مدى مساهمة المؤسسات المالية الإسلامية في السوق المحلية في حضور هذه الملتقيات وتقديم فرص للاستثمار في مجال المالية الإسلامية, خاصة أننا اليوم نشهد رغبة وتوجها حكوميا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية إذ إنها في النهاية هدف استراتيجي, لتوفير فرص للعمل, خصوصا أن هناك دعما حكوميا للمصرفية الإسلامية, وذلك واضح من تحول بعض المؤسسات المالية التقليدية إلى إسلامية في السوق المحلية, وتقديم الأخرى منتجات ونوافذ إسلامية, كما أنه تم إنشاء بنوك إسلامية جديدة.
يضاف إلى ذلك أن وجود الهيئة الإسلامية وعدد من الباحثين من المملكة جذب اهتمام الحضور لتميز المملكة بالتزام الشريعة الإسلامية في نظام الحكم, ووجود الحرمين الشريفين, يعزز قبول آراء الفقهاء والباحثين الذين يعملون في المملكة, وهذا يدعونا إلى الحديث عن أهمية تبني المؤسسات المالية ومؤسسة النقد والجهات التعليمية, خصوصا التعليم العالي, برامج وأنشطة فاعلة في مجال المالية الإسلامية, خصوصا على مستوى الملتقيات العلمية, وتأهيل كوادر متميزة للعمل في هذا القطاع المهم والاستراتيجي, الذي يتيح كثيرا من الفرص على المستويين المحلي والعالمي.