إيران والبراءة الكاذبة!!

جاءت تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي لافتة للانتباه ولا تؤكد على وجود رغبة إيرانية حقيقية في سيادة الأمن والاستقرار في المنطقة، ومعلوم أن الحج فريضة على كل المسلمين ولا يمكن توظيفها لغايات وأبعاد سياسية، وبالتالي فإن الحديث عن البراءة من المشركين عبر الحج ما هو إلا تعبير عن حالة من العجز والفشل الداخلي ومحاولة رامية إلى تصعيد وتيرة الخلافات مع دول المنطقة.
فقد تدخلت إيران في الأمن الخليجي لكنها لم تر من السعودية ما ينم عن استغلال لهذا الظرف لتوحيد السياسة الخليجية ضدها، لكنها وجدت دعوات انطلقت من الرياض لمشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أعمال القمم الخليجية قبل الأخيرة.
وعندما زار الرئيس الأمريكي جورج بوش في جولته الأخيرة المنطقة كان يهدف إلى دفع الدول العربية والخليجية لدعم الخيار العسكري لكن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وقبل وصول بوش بساعات تحدث للصحافيين قائلا: «إن بلاده لا ترى ضرورة لاستخدام الخيار العسكري مع طهران وإذا كان لواشنطن أسبابها فإن السعودية على علاقة طيبة مع إيران».
وعندما استغلت إيران الخلافات الفلسطينية وجاء اتفاق مكة قالت السعودية إنها ضد التدخل الخارجي في الشؤون العربية وإن قضايا العرب وخلافاتهم تحل في البيت العربي، إلا أن طهران أمعنت في التدخل وهي تقصد الإساءة لدول الاعتدال العربي وعملت جل جهدها لشق الصف العربي، وتقصدت الإساءة لمكانتي مصر والسعودية.
وعند انعقاد مؤتمر القمة العربية في الكويت سحبت السعودية البساط من تحدت أقدام التدخل الخارجي وفتحت الأبواب مشرعة أمام المصالحة العربية وغاب صوت الانشقاق الذي قسم العرب إلى اعتدال وممانعة.
وبعد أن طبقت الإمارات بصمة العين في منافذها الحدودية ومطاراتها الدولية، وهذا حق سيادي لها تعمل على إنجازه جميع الدول لحماية أمنها، هدد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني أنه في حال تطبيق ذلك على المواطنين الإيرانيين فإن بلاده سترحل استثماراتها إلى دول أخرى.
وعندما دخلت دول حوض باب المندب في مشكلة مع القراصنة الجدد وإمكاناتهم التسليحية وتقنية الاتصالات التي بحوزتهم كان السؤال الذي يطرح نفسه من أين لهم هذا، وكيف تدربت هذه العصابات على أحدث علوم الاتصال والتقنية وفي تلك الأثناء اتضح أن هناك محاولات تهريب إيرانية للسلاح إلى الصومال والسودان ومصر وبالطبع كانت صعدة أولا.
وبعد أن أكدت المؤسسات والمنظمات الدولية أن عمليات تهريب منظمة لتجارة الحشيش تجري من أفغانستان إلى دول في المنطقة وبينها السعودية، كانت المعلومات تشير إلى أن لطهران يدا كبيرة في عمليات رعاية التهريب تلك ولم تصدر عن السعودية اتهامات أو إدانة، بل تحفز تام لإحباطها.
ولم تقف إيران عند هذا الحد، بل دخلت لتأمين غطاء دبلوماسي لبعض عمليات التجارة غير المشروعة في إفريقيا تجارة الألماس واليورانيوم، وكان حزب الله بالطبع على الخريطة وكانت كثيرا من عمليات التفجير التي تجري هنا وهناك باسم القاعدة.
في صعدة تم تأمين منصة انطلاق «القاعدة» التي تحالفت مع طهران في العراق وفي اليمن ضد أمن المملكة وحاولت إيران شد أطراف الأمن الوطني السعودي والتأثير في قوة الدولة والقرار السياسي فيها، فكانت صعدة مكان استضافة للخارجين عن القانون ومكان انطلاق أيضا وليس أدل على ذلك من تفصيلات العملية الفاشلة التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف والتي استخدمت فيها تقنيات عالية ليست بمستوى «القاعدة» إنما بمستوى دول.
إيران منذ عهد الخميني اتبعت سياسة التوتير الإقليمي وشد الأطراف وتبنت بشكل مستغرب عداء شديدا للسعودية أسهمت في تقويض السلطة في العراق وأفغانستان وتعمل على خرق الجدر الأمنية لدول المنطقة، وتستخدم وتوظف الدين لخدمة الأهداف السياسية لها بكل السبل المشروعة منها وغير المشروعة وليس غريبا عليها أن تستعد لتخريب موسم حج هذا العام، بالبراءة من المشركين وما هي إلا محاولة سافرة لتحويل الحج من طاعة وعبادة إلى منابر للدعايات المضللة والباطلة.
القضية الكبرى أن ينجرف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والمرشد الأعلى إلى هذا الموقع، فلو كانت التصريحات صحافية أو لبعض القوى الدينية لكان الأمر اعتياديا، إلا أن صدوره عن المرشد والرئيس فإنه بالطبع يعكس صحة التحليل الذي يشير إلى أن السلطة في طهران تعيش في مأزق كبير ويبدو أنها باتت عاجزة وفاشلة عن مواجهة الاستحقاقات الداخلية لملفها النووي، فإن رضخت وتراجعت فهي بالطبع ستواجه تيارا غاضبا يطرح سؤالا حريا بالإجابة: لماذا أهدرنا ثرواتنا على بناء مفاعلات نووية ومنشآت تخصيب وبالمحصلة نتزود بذلك من الخارج، ولماذا نتحمل أعباء هذه التكلفة الإضافية بدلا من استخدامها في عمليات التنمية الاقتصادية، وإن واصلت سياسة العناد فإن لصبر المجتمع الدولي حدودا؟
المواجهة التي تمت بين المحافظين والإصلاحيين عقب نتائج الانتخابية الرئاسية للرئيس أحمدي نجاد والرد العنيف الذي جوبهت به حرر الشارع الإيراني من عقدة الخوف وكشف عن ضعف ووهن أعمدة السلطة وهشاشتها وأكد أن ما يجري ليس سوى إرهاصات لمعارك تبدو قادمة لكنها بالطبع ستكون فاصلة ودامية، ومحصلة لهذه الأسباب، فإن الدول الفاشلة عندما تجابهها مشكلات داخلية فإنها تتهرب عن مواجهتها بعقلانية وحكمة وتعمد إلى تصدير أزماتها للخارج بافتعال مشكلات مع الإقليم أو المجتمع الدولي بأسره. لكن هذه المرة لن تسلم الجرة ولن تمنح طهران، على طبق من ذهب، فرصة تسييس الحج للفوز بعمليات تعبئة داخلية تحرف مسارات الرأي العام الإيراني عن الحقيقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي