ماذا بعد الاتفاق التاريخي بين تركيا وأرمينيا؟

في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) تم توقيع اتفاق بين تركيا وأرمينيا في زيورخ في سويسرا لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين, ما يؤذن بحل إحدى المشكلات الصعبة في جنوب القوقاز. واتفق الطرفان على فتح الحدود بينهما بعدما ظلت مغلقة منذ 1993 بسبب الحرب التي نشبت آنئذ بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه بعدما استولت عليه أرمينيا بدعم من روسيا, ووقفت تركيا إلى جانب جارتها أذربيجان.
والصراع الأرميني ــ التركي شديد الشبه بالصراع العربي ـ الإسرائيلي للأسباب التالية:
ــ اختلاف الديانة بين الطرفين المتصارعين (يهود ضد مسلمين) و(مسيحيون ضد مسلمين).
ــ ثأر الدم المسفوك الذي سفكه اليهود من العرب والأتراك من الأرمن ــ كما يرددون.
ــ وقوف روسيا إلى جانب أرمينيا وأطراف أخرى وراء تركيا.
ــ وجود عنصر الشتات الذي يؤجج الصراع عالميا, فاليهود المنتشرون في أوروبا وأمريكا لم يتوقفوا عن تشويه صورة العرب والمسلمين في أنحاء العالم, وكذلك شتات الأرمن المنتشرين في العالم, خاصة أمريكا, لا يشغلهم إلا ما وصفوه بالكارثة المتمثلة في القمع التركي للأرمن الذي أدى إلى سقوط ضحايا سنة 1915.
ــ استخدام الصراع ورقة دولية بين أطراف متعددة لا دخل لها أصلا.
ربطت تركيا فتحها حدودها بحل مشكلة ناجورنو كاراباخ ويرفض الأرمن إحداث أي تغيير أو تنازل عن المناطق الأذرية في الإقليم. ولعبت استراتيجية ودبلوماسية كرة القدم دورها, وذلك عندما ذهب الرئيس التركي عبد الله جول إلى ياريفان عاصمة أرمينيا ليشاهد مباراة كرة قدم في تصفيات كأس العام 2010 بين تركيا وأرمينيا في أيلول (سبتمبر) 2008, وبذلك بدأت مرحلة من المفاوضات السرية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ولكن الخلاف كبير والبون شاسع بين الطرفين, لأن تركيا ترفض مزاعم أرمينيا بأن أحداث سنة 1915 كانت حملة منظمة لتدمير الشعب الأرميني, وأن عملية طرد الأرمن من شمال شرقي تركيا إلى جنوبها أسفرت في رأي الأرمن عن موت 1.5 مليون أرميني وتشتيت أكثر من مليونين هاجروا إلى سورية والعراق ومصر (كانت لبنان جزءا من سورية) وفلسطين وغيرها. ويقول المدافعون عن أنور باشا وجما باشا وطلعت باشا المتهمين بضرب الأرمن إن الأرمن تحالفوا مع أعداء تركيا لدى نشوب الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) وكونوا طابورا خامسا للإنجليز والفرنسيين والروس (قبل انسحاب روسيا من الحرب), وكان لا بد من تأديبهم. ويضيف الأتراك أن احتلال أرمينيا ناجورنو كاراباخ يصب الزيت على النار, خاصة أن الأرمن يحتلون مناطق أذرية قريبة من تركيا.
وتوصل الطرفان إلى خريطة طريق في 22 نيسان (أبريل) 2009 وقبل يوم 24 نيسان (أبريل) 2009, الذي يلقي فيه الرئيس الأرميني سنويا خطابا يدور محتواه حول الكوارث التي حلت بالأرمن. في هذه الخريطة حدد الأتراك والأرمن خطوات إعادة العلاقات. وفي هذا الوقت صرح باراك أوباما بأنه لا ينوي التدخل في المفاوضات الحساسة بين البلدين رغم أنه كان قد أقر في حملته الانتخابية بما سماه (المذابح التركية للأرمن). ولم تنجح المحاولات التركية ــ الأرمينية في تحقيق إعادة سلسة للعلاقات, خاصة أن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء وأحمد دافوتو جولو وزير الخارجية تمسكا بمواقف متشددة لدى زيارتهما لأرمينيا.
ويتساءل المراقبون: لماذا هذه الحالة من التسرع في إعادة العلاقات؟ والإجابة أن رئيس أرمينيا سيرج ساركيسيان صرح بأنه إذا لم تفتح تركيا حدودها مع أرمينيا فلن يحضر لمشاهدة مباراة كرة القدم بين تركيا وأرمينيا في تركيا التي تقرر إقامتها في 14 تشرين الأول (أكتوبر). واستجاب الأتراك رغم تأكيدهم أنهم لم يتأثروا بالتهديد, كما أن سياسة تركيا الجديدة والمعروفة «بانعدام المشكلات», أي أنه ليست لتركيا مشكلة مع أحد، دفعتها إلى الإسراع في إصلاح ذات البين مع جيرانها كافة.
ويجب ألا ننسى أن أحد شروط دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو الاعتراف بكوارث 1915 وتخفيف شدة التعامل مع أرمينيا. وتود تركيا الاستفادة من رئاسة السويد المؤيدة لدخول تركيا إلى الاتحاد لكي ترتبط نهائيا وتنضم إلى الاتحاد.
وقدمت أرمينيا التي تعاني مشكلات اقتصادية صعبة, بسبب حصارها من تركيا وأذربيجان, بعض التنازلات مثل الموافقة على التحقيق تاريخيا في تفاصيل الأحداث التي وقعت سنة 1915، والتنازل الثاني هو الاعتراف بخط الحدود بينها وبين تركيا والذي ظلت أرمينيا ترفضه لسنوات طويلة.
وتبقى العقبات ضد التقارب بين أرمينيا وتركيا متمثلة فيما يلي:
ــ المعارضة في أرمينيا التي ترفض التقارب.
ــ معارضة أذربيجان التقارب طالما لم يحل موضوع ناجورنو كاراباخ.
ــ معارضة أرمن الشتات ما لم تعترف تركيا بأنها ارتكبت المذابح وما يترتب على ذلك من حقوق جغرافية وكمالية وأخلاقية.
ولكن نقاط التفاؤل تتركز في حرص روسيا على إقرار المصالحة ليتسنى لها مد خطوط الغاز والنفط في جنوب القوقاز, إلى جانب أن المصالحة ستتيح المجال لحل مشكلة ناجورنو كاراباخ وتنشيط الدور التركي في الوساطة بين سورية وإسرائيل وأفغانستان وباكستان وسورية والعراق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي