أموال البنوك.. حسابات المخاطر والمكاسب وحق الوطن

من حق البنوك والقائمين عليها أن يبحثوا عن الفرص الاستثمارية المواتية لتحقيق أعلى درجة من المكاسب للمساهمين، لكن هذا الحق يجب ألا يتعارض أو يلغي حق الاقتصاد الوطني في حصة من هذه الأموال، خاصة عندما نعلم أن البنوك كونت هذه السيولة بفعل نمو الاقتصاد واستقراره وحماية الدولة ورعايتها لها.
والمتتبع لتوجهات استثمارات البنوك السعودية خلال الأشهر السبعة الماضية يلحظ أنها تتزايد في الخارج في الوقت الذي يعاني سوق الدين المحلي جمودا في جانب وارتفاعا قياسيا لسعر فائدة الإقراض سواء الاستهلاكي أو قصير الأجل في جانب ثان، وهو ما يسترعي تدخلا يخوله النظام من قبل مؤسسة النقد، فمؤسسة النقد لم تقف مكتوفة اليدين أثناء المخاوف من الأزمة المالية العالمية، حيث أتاحت للبنوك المحلية أعلى درجة ممكنة من السيولة، باعتمادها وتيرة سريعة لخفض الاحتياطي الإلزامي للبنوك من 13 في المائة إلى 7 في المائة لزيادة السيولة لدى البنوك، كما أنها ـ أي المؤسسة ـ خفضت سعر الفائدة على ودائع البنوك لدى المؤسسة إلى مستويات تاريخية ليس لها سابق للغرض نفسه. وهذا لا شك تحد للبنوك لاستثمار أموالها، لكن يجب أن تبحث عن فرصة في الداخل.
ولم يقتصر وضع المصارف المحلية عند هذا الحد بل إنها تمكنت بفعل الاستقرار الاقتصادي المصحوب بالنشاط الاستهلاكي واستقرار النفط عند مستويات إيجابية، أن تحقق ربحية تجاوزت التوقعات في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ورغم انخفاضها طفيفا (2.6 في المائة) مقارنة بأرقام الفترة نفسها من العام الماضي، إلا أنها ربحية قياسية مقارنة بأوضاع القطاع المصرفي الإقليمي على وجه التحديد. كما أن القوائم المالية للبنوك تؤكد سلامة بنيانها وجودة ودائعها وكفاية رأسمالها، غير أن الربحية التي تحققت للبنوك بعوامل اقتصادية محلية، على اعتبار أن محافظها الاستثمارية الخارجية واجهت إعادة تقييم وربما خسائر في الفترة الماضية من العام الجاري، لم ترفع وتيرة استثماراتها المحلية وقاست الاستثمارات المتوقعة أو المخطط لها على أساس المنفعة فقط دون استحضار حقوق الاقتصاد المحلي. وهناك مؤشرات تعكسها بيانات مؤسسة النقد ويؤكدها ماليون ومصرفيون أن البنوك تفضل المحافظ الاستثمارية في دول مجاورة تمنح فائدة في حدود 4 و5 في المائة على الإقراض محليا. والمتتبع لمؤشرات المطلوبات الأجنبية للبنوك السعودية يلاحظ ارتفاعها من 94.3 مليار ريال في آب (أغسطس) الماضي إلى 98.2 مليار ريال في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.
من هنا وسياقا على العلاقة بين مؤسسة النقد والبنوك التي يحددها النظام وترعاها المصلحة المشتركة وهي مصلحة الاقتصاد، ربما يكون من المصلحة في هذه الفترة أن تضع مؤسسة النقد شروطا إلزامية أو استرشادية على أقل تقدير تدفع البنوك بتوجيه جزء من هذه السيولة في الاقتصاد، مع التأكيد على أنه لم يطلب من البنوك المحلية ذات يوم الدخول في تمويلات طويلة الأجل، بل المعني هو خفض الفائدة على القروض الاستهلاكية وقصيرة الأجل وتسهيل إجراءات منحها. إن النهضة التنموية التي تعيشها البلاد حاليا مستفيدة من المكون الاحتياطي لديها واستقرار النفط وبرنامج الإصلاح الاقتصادي تحتم على البنوك أن تعاضد هذه النهضة وتشارك فيها باعتبارها مؤسسات وطنية بالدرجة الأولى دون إغفال حسابات المخاطر ومستويات العائد. وفي ظل انسحاب البنوك العالمية وانكفائها داخل دولها، فأن أي خلل تمويلي يصيب مشروعنا التنموي، خاصة في جانبه المتعلق بالمشاريع العائدة للقطاع الخاص ومشاريع الأفراد (رواد الأعمال) فإن البنوك المحلية ستكون مسؤولة عنه مسؤولية تاريخية. في المقابل، فأن الحكومة يجب أن تطرح أدوات استثمارية للبنوك – مع تدني الفائدة – تشجع البنوك على استثمار أموالها في الداخل بدل البحث عن فرص في الخارج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي