المصارف .. هل انتهت أزمتها؟

من بين أهم الإنجازات المالية التي تحققت في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية، إن لم يكن أهمها، نجاحها في احتواء الأزمة التي كادت تعصف بالمصارف السعودية في الآونة الأخيرة، ومن ثم الحفاظ على سلامة الاقتصاد الوطني وحمايته من كارثة كانت وشيكة بكل ما تحمله تلك الكلمة من معان . إذ اهتزت تلك المصارف وباتت على شفا هاوية بسبب الانهيارات العنيفة التي حلت بأسواق المال العالمية، وما تلاها على الساحة المحلية من تعثر بعض الشركات، وعلى رأسها مجموعتا «سعد» و»القصيبي». ولا شك في أن ذلك الإنجاز الذي حققته المملكة يعود الفضل فيه لتوفيق الله تعالى أولا، ثم للقيادة السياسية الواعية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وعلى الرغم من الانتقادات التي أبداها بعض المراقبين للسرية التي مارستها السلطات النقدية في المملكة في التعامل مع ملف الأزمة وغياب الشفافية، إلا أن ذلك لا ينتقص من التقدير المستحق للمهنية العالية التي أبداها كل من وزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في انتشال المصارف من ورطة ما كان لها أن تخرج منها بقدراتها الذاتية. إذ اختار المسؤولان العلاج الأحوط، فيما يبدو، من بين حزمة الخيارات المتاحة، كما أن مما يحمد لهما أن أعينهما كانت دوما على الكرة منذ البداية مع كل ما كان هناك من تشويش في مدرجات الجمهور.
غير أن النجاح الذي تحقق في احتواء أزمة المصارف ينبغي ألا يصرف انتباهنا عن الإصلاحات الواجبة في ذلك القطاع كي نطمئن جميعا على مستقبله. فالوضع الراهن للمصارف، إن ترك على ما هو عليه، قد يشكل خطورة في المدى الطويل على المجتمع ومؤسساته. وهنا لا نتحدث عن هواجس، بل هناك مؤشرات تدعو إلى طرح مثل هذا التنبيه، من بينها سيطرة أعداد محدودة من الأفراد والعائلات على حصص مؤثرة من رؤوس أموال معظم تلك المصارف في بيئة تختزل معايير الشفافية إلى حد يجعل من الصعب على المساهمين أو غيرهم معرفة ما يدور في أروقتها أو معرفة الأيدي الخفية في صناعة قراراتها. ولعل ما تسرب من معلومات عن قضية المجموعتين المتعثرتين، وإن كان نزرا يسيراً، شاهد على ذلك. وهناك تزداد المخاوف إذا عرفنا حجم الأموال المودعة في المصارف، إذ بلغ إجمالي الودائع في نهاية النصف الأول من هذا العام أكثر من 916 مليار ريال! أما اللافت للنظر أيضاً فهي الأرباح التي جنتها في عام 2008 والتي بلغت 30 مليار ريال، مع زيادة نسبتها 24 في المائة في رؤوس أموالها واحتياطياتها في عام واحد فقط.
إن على رأس الإصلاحات التي ينبغي التصدي لها في قطاع المصارف ومباشرتها بشكل عاجل قضية حصص الأفراد والعائلات المؤثرة، والعمل على تقليصها تدريجياً إلى حد لا تشكل فيه خطراً على هذا القطاع مهما توارثت تلك الحصص من أجيال قـد تختلف مشاربهم عن أولئك المؤسسين. وهنا نـرى دوراً لشركة «سنابل»، الذراع الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، في مساعدة تلك المجموعات على التخلص من حصصها الجائرة أو تلك المتضاربة ببيعها على الشركة وفق أسعار السوق لضمها إلى محفظة الأجيال القادمة، مع ترك الخيار لأصحاب تلك الأسهم لبيعها للجمهور وفق ترتيبات يتفق عليها مع كل من مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية. أما الدور الآخر للهيئة في مساعدة هؤلاء على تقليص نسب ملكيتهم إلى معدلات مقبولة قد يكون عن طريق زيادة رؤوس أموال تلك المصارف وحجب كبار الملاك عن المشاركة في تلك الزيادات ومن ثم إفساح المجال أمام المواطنين للحصول على أعداد مجزية من أسهم تلك الاكتتابات. بالطبع هناك خيارات أخرى كثيرة أمام وزارة المالية، مؤسسة النقد، والهيئة لفرض توازن وانضباط ذاتي في المصارف، وإن كان بشكل متدرج.
ولكن قبل هذا وذاك، لا بد من إلزام المصارف بالتقيد بمعايير الإفصاح المتعارف عليها عالمياً في هذا القطاع لمساعدة المستثمرين والمتعاملين الآخرين على اتخاذ قراراتهم بثقة واطمئنان. إذ لا يكفي اليوم أن تكون الجهات الرقابية على المصارف مطلعة وحدها على ما يجري هناك، بل لابد أن يحترم أيضا حق السوق في الاطلاع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي