نسبة تذبذب للسوق .. لا الشركات

إن فتح نسبة تداول الشركات - كما اقترحت في مقالة الأسبوع الماضي - بحيث يتم تداول أي شركة بنسبة مفتوحة صعودا أو هبوطا, لا يعني عدم ضبط تحركات السوق, فالسوق معرضة لعواصف رعدية قد تكون مفاجئة وقد تستدعي إيضاحا مباشرا فوريا من الجهات الحكومية المعنية؛ وهذا ما يبرر إيقاف السوق فيما لو حدث أمر مفاجئ يبرر تعليق التداول فترة زمنية مناسبة. استكمالا لحديث الأسبوع الماضي حول تقييد أسعار الأسهم، أسترسل اليوم في موضوع ضبط السوق إجمالا- وليس تحرك شركة بذاتها - وهو إجراء يستهدف السوق ككل وليس حالات فردية.
إيقاف السوق لا يحدث اعتباطا, بل يحدث وفقا لمعايير إذا تحققت تم تفعيل خاصية إيقاف السوق. هذه المعايير أو المؤشرات يتم تفعيلها معتادا- وبشكل مؤقت - إذا كانت ظروف السوق لا تسمح بوجود تداول في ظروف طبيعية، كخبر أو حادث غير معتاد بخصوص قطاع أو دولة أو أي أمر مهم له تأثيره في تداول الأسهم (مثلا اكتشاف حقل بترول يؤثر في ربحية قطاع النفط, أو فرض ضرائب جديدة مؤثرة لم تكن في الحسبان على القطاع البتروكيماوي), وهو حدث يؤدي إلى انعدام توازن في قوى العرض والطلب، كعرض كثيف على جميع الشركات وعدم شراء أو شراء محدود، أو أي مبرر تراه السلطة التنظيمية كافيا لإيقاف التداول في السوق. في تلك الحالة يتم إيقاف التداول لوقت يكفي لإيضاح الصورة؛ فمثلا، قد ينتج عن الإيقاف، أن يصرح وزير المالية بعدم وجود أي أمر مؤثر وأن الأمر مجرد إشاعة, أو قد يصرح وزير التجارة بوجود قرار بمنع استيراد منتجات قطاع ما من دول رئيسية. أو يصدر بيان من هيئة سوق المال بأن الموضوع قيد الدراسة, وقد يتم نفي ما انتشر من أخبار أثرت في التداول. بعدها تعود السوق إلى الافتتاح والتداول بشكل معتاد. وهذه من أروع نقاط القوة في هذه السياسة, كما يؤكد المصرفي القدير مطشر المرشد، صاحب فكرة هذا المقالة.
التجارب العالمية قد تساعد على تصور السيناريو الأنسب. فمثلا، بعد انهيار السوق المالية في نيويورك عام 1987، قامت هيئة السوق المالية في نيويورك باستحداث هذه الآلية، متبعة في ذلك متوسط تحرك سعر الأسهم. فمثلا، النزول إلى 2900 نقطة (30 في المائة) يوجب إيقاف السوق لكامل اليوم. أما النزول بنسبة 20 في المائة فيوجب التوقف لمدة ساعتين إن حدث قبل الساعة 1 ظهرا، أو لباقي اليوم إن حدث النزول بعد الساعة 2. النزول بنسبة 10 في المائة إن حدث قبل 2 تتوقف السوق لمدة ساعة، وإن حدث بين 2.30 و3 فتتوقف لمدة نصف ساعة، وإن حدث بعد 2.30 فلا تتوقف. الشركات بشكل منفرد لا تحظى بأي مزية بل قد تفتح على ارتفاع مدو أو نزول صارخ. هل يوجد ما يمنع لدينا من تبني مثل هذه الآلية؛ نزول بقدر 30 في المائة يغلق السوق لكامل اليوم، 10 في المائة تغلقها لفترة محدودة يزال فيها أي لبس بكل شفافية.
وعليه، ما أعتقده هو ضرورة منح الشركات القدرة على التحرك سعريا دون تقييد إلا إن كان هناك ما يبرر القيد؛ إفصاح عن اندماج حدث أثناء التداول أو خبر غرق سفينة لنقل بحري أو سقوط طائرة لنقل جوي، مثلا. في تلك الحالات الاستثنائية يتم تعليق تداول تلك الشركة فترة زمنية تكفي لوصول المعلومة الدقيقة ومن ثم منح المستثمرين الوقت لتقييم أوضاعهم وإصدار قراراتهم الاستثمارية بتمعن وفقا للمعطيات الموفرة من الجهات الموثوق بها. أما أن تعلن الشركة عن ربحية بثلاثة أضعاف الربع الماضي، مثلا، وهذا ما قد يبرر ارتفاعا قدره 50 في المائة مثلا في قيمتها السوقية، ومع هذا نحجر عليها بنسبة 10 في المائة, فهو ما لا أعتقد أنه مقبول. كما أن النسبة الـ 10 في المائة أصبحت ألعوبة في أيدي المضاربين؛ لا سيما في الشركات الصغيرة أو ضعيفة التداول؛ فمجرد طلب كمية غير معتادة على النسبة 10 في المائة، يضمن تحقيق تلك النسبة في أغلبية الأحوال؛ بينما لو فتحت النسبة لما غامر أي مضارب بتلك المجازفة في أغلبية الأوقات.
في هذه العجالة باختصار، لا أعتقد أننا في حاجة إلى إعادة اختراع العجلة من جديد في كل ما يحدث لنا. التجارب العالمية واضحة، ضبط السوق إجمالا، والتعامل بشفافية مع الأحداث الاستثنائية، أما تقييد حركات الشركات بنسبة 10 في المائة فظني أنه عبء غير مبرر .. أتمنى أن يكون ظني خاطئا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي