مؤشرات تدعونا للتغيير
المؤشرات الاقتصادية الحالية قد تكون ظاهرة تستمر لسنوات مقبلة مما يستوجب التفكير الجدي قي تبني سياسات اقتصادية واستثمارية تواكب المرحلة المقبلة فأسعار الفائدة في مستويات منخفضة للغاية، وأسعار الأصول في مستويات منخفضة، وأسعار المعادن في ارتفاع متزايد، والدولار يزداد ضعفاً، والذهب لمعاناً، والنفط آخذ في الارتفاع، وقطاع العقار محل تساؤل. ولعل أهم الظواهر التي تنبئ بتغير واضح هو النفط فالتوقعات قصيرة المدى ترى أنه لن يتجاوز 80 دولاراً في نهاية العام الحالي، لكنه سيشهد ارتفاغاً قوياً في السنة المقبلة. وإذا ما صدق التقرير الصادر عن المجلس البريطاني لأبحاث الطاقة الذي نشرته “الاقتصادية” يوم الجمعة الماضي من أن الإنتاج التقليدي للنفط قد بلغ أعلى مستوى ممكن له وسيبدأ انخفاضه بحلول 2020 فلا غرابة أن تصل أسعار النفط إلى 200 دولار في السنوات الثلاث المقبلة فعلاوة على أن الفترة الماضية، التي شهدت أسعار النفط فيها ارتفاعاً اقتربت من 150 دولارا للبرميل ومع ذلك لم نسمع اكتشافات جديدة، فإن التقرير يشير إلى أن أكبر عشرة حقول نفط في العالم قد أخذ إنتاجها في التناقص. وإن استخراج احتياطيات النفط المعلومة قد يواجه صعوبات جمة عند استخراجها. ولا شك أن تراجع أسعار الدولار سيسهم في ارتفاع أسعار النفط، إذ إن المؤشرات الاقتصادية تنبئ عن ضعف إضافي محتمل للدولار، خصوصاً أن الدول التي تطالب بعملات أخرى غير الدولار في تزايد فالصين وروسيا تطالبان باستخدام عملات أخرى (حقوق السحب الخاصة) لصندوق الدولي، وتقارير تحث على ربط أسعار النفط بسلة عملات دولية أخرى. ولعل هذه الظاهرة في حد ذاتها قد تجعلنا نبدأ بالفعل في إجراء (أو التفكير الجدي) في تغيير سياساتنا النقدية والمالية، وإداراتنا لأصول الحكومة الخارجية. ويأتي على رأسها رفع قيمة الريال السعودي أمام الدولار، وهو الأمر الذي طالبنا به مراراً من قبل للفوائد الكبيرة التي ستفيد الاقتصاد المحلي في المستقبل المنظور، ولعل أهمها زيادة القوة الشرائية في الوقت الذي لم تنخفض فيه الأسعار المحلية بالصورة المطلوبة. وسيظل الجدل قائماً حول سياسة سعر الصرف للريال السعودي، إلا أن حقائق تغيرات المؤشرات الاقتصادية، التي استعرضنا بعضها في بداية المقال قد تجبرنا على عملية التغيير القسري وفي الوقت غير المناسب الذي لا نريده. كما أن هناك توجها أصبح أكثر وضوحاً في إدارة الفوائض المالية الناتجة من النفط، فإن الوقت ملائم جداً لإحداث تغير في سعر صرف الريال السعودي ففي السنوات المقبلة سـتـتمتع اقتصاديات العالم بنسبة فوائد منخفضة وانحسار في التمويل، وضعف في الاستثمارات الخارجية، مع زيادة في معدلات الادخار، الأمر الذي يهيئ لصانعي القرار التفكير في تغيير جوهري في السياسة النقدية التي ظلت على حالها منذ 1986 دون تغيير يذكر، إذ لا يكفي مجرد التصريح بنجاح سياسات معينة لأنه لم يحدث تغيير بالفعل حتى نتحدث عن نجاح أو فشل معين. إن أولى خطواتنا في التغيير تنبع في بداية التهيئة للتغيرات الاقتصادية المحتملة. فالتقرير الذي نشر أخيرا من أن دول الخليج مع دول أخرى تفكر في تسعير النفط بسلة عملات - سواء كان محقاً أو خلافه - هو دلالة على أن جدية التغيير في اتباع سياسات أخرى غير التي تعودناها في السنوات السابقة أمر يستحق التفكير فيه بعمل الدراسات والأبحاث المستفيضة لتغيير مستقبلي محتمل فنحن نشهد تغييرات واضحة في سياسات التعليم والصحة والانفتاح على العالم استثمارياً وتقنياً وعلمياً، لكننا لم نلحظ تغييرا ملموسا على الجانب المعيشي للفرد بسبب الجمود الواضح في السياسات المالية والنقدية التي تعنى بارتفاع دخل الفرد. وللحديث بقية عن تأثير ذلك في المستويات المعيشية للأفراد في مقالات قادمة.