النخيل.. إحدى دعائم الاقتصاد الخليجي

''والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج''– ق 11, تعد قضية البعث من أهم القضايا التي ناقشها الإسلام وأكدها, إننا ندعو إلى بعث الاقتصاد الخليجي كقوة ذات نفوذ عالمي من خلال النخلة, إنه استكمالا لموضوعنا السابق عن الثروة السمكية فإن النخيل رافد آخر مهم للاقتصاد الخليجي, وكلتاهما حرفتان يجدر بأبناء الخليج العربي وراثتهما عن الأجداد بقوة وصيانتهما, وباعتبار أن النخلة شجرة مباركة ذكرت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم وهي عزيزة وتعد من أهم الأشجار المستخدمة في مشاريع التشجير والتجميل في الجزيرة والخليج وذلك لقدرتها على تحمل الظروف المناخية السائدة ولأنها ما فتأت تمثل البيئة الخليجية وتُشكل ركنا اقتصادياً مهماً بالنسبة إلى القطاع الزراعي الخليجي وتمتعت بمكانة مميزة ودور كبير قبل اكتشاف النفط وإن تراجعت بعدئذ عند النظر إليها كمصدر دخل اقتصادي, على أن هذا الكم من الانتشار الكثيف للنخيل المثمر في كل دول الخليج بلا استثناء لم يرق إلى درجة الاهتمام به كمحصول إنتاجي فهو ما زال دون المستوى على غرار القطاع السمكي الذي يتخيل السائح الأجنبي عند دخوله المنطقة الخليجية أنها تعج بأصناف المطاعم البحرية حتى إذا جاءها لم يجدها شيئا. موضوع النخيل ليس سهلا, خصوصا بعد أن تطرق البعض إلى المطالبة بالحد من أعداد أشجاره توفيراً لمليارات المكعبات من المياه المهدرة عليه، وعليه فإن تعظيم مردوده الاقتصادي والمائي والاجتماعي والبيئي لا يزال أمرا في غاية الأهمية, خاصة إذا أخذنا في الحسبان ارتباطه الوثيق بنظام الفلاحة وحسن إدارة الزراعة المتعددة التي ترمي إلى الاستفادة المثلى من النظام البيئي الذي تنتجه زراعة نخيل التمر وما ارتبط بذلك من تكوين القرى الزراعية والتوزيع الديمغرافي للمواطنين, هل يستحق أن يكون هذا المنتج قيمة مضافة لاقتصادات دول الخليج؟ ثم كيف يمكن الاستفادة منه كمحصول يدر دخلاً يعتمد عليه لهذه الشعوب؟
هذه الثروة التي أنتجها الوطن الخليجي, وهو الذي شارف على تحقيق حلم الوحدة الاقتصادية جعلنا نرشح النخلة لأن تكون على الجانب الآخر من العملة الخليجية المرتقبة في مقابل السمكة, فكلتاهما تمثلان التاريخ الاقتصادي للمنطقة والنبع الذي لا ينضب إذا ما فقدنا الثروات الأخرى, حيث لا يعرف أحد حجم الأزمات القادمة, وهل ستكون بحجم الأزمة المالية الحالية أم أكبر, فجميعها تجعلنا نقدر ونصون هذه الثروات الوطنية, لذا فمن الطبيعي زيادة الاهتمام بعمليات الخدمة والصيانة الزراعية اللازمة للنخيل وإتقان عملية جني الثمار باعتبارها أهم المحاصيل, وفي هذا الصدد لا شك أن السعودية تأتي في مقدمة الموقف وتحتل مركزا مميزا ورائدا لا يختلف عليه اثنان باعتبارها الأولى بين دول العالم في إنتاج التمور ويوجد فيها مركز الأحساء لأبحاث أشجار النخيل, يُركّز الخبراء فيه على الموارد الوراثية لأشجار النخيل وعلى الأصناف التي تتلاءم مع الظروف المناخية للمنطقة حيث يكثر إنتاج التمور على مشارف المدينة المنورة والعاصمة الرياض ويعد من الأصناف الأكثر أهمية في صادرات السوق الدولية, ومع وجود التوجه الجاد للجهات المعنية في السعودية والمزارعين بالاهتمام بتطوير زراعة النخيل وأساليب تصنيع منتجاتها التي تعد مورداً اقتصادياً ومتنـزهاً طبيعياً على حد سواءَ وبإمكانية تحويل ثمرتها ومكوناتها كافة إلى صناعات جديدة متنوعة, وذلك بفضل منتجاتها من التمور والسكر والزيت وغيرها من الصناعات التحويلية والمنتجات الأخرى, فقد قدرت عدد أشجار النخيل المزروعة في الأراضي السعودية على مساحتها الشاسعة بنحو 13 مليون نخلة متنوعة الأصناف والأحجام، وفي الإمارات كان المشروع البيئي الزراعي قد بسط مساحات شاسعة متحدياً جميع الآراء التي خالفت الزراعة في المناطق الصحراوية وضم مئات الأنواع منها ما هو موجود منذ القدم ومنها ما تم استقدامه من دول الجوار, وتوجت الإمارات كأول دولة في العالم في أعداد شجر النخيل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية وقدر عددها بأكثر من 40 مليون نخلة, وفي الكويت دعت السلطات المختصة إلى زيادة التوعية لجميع المهتمين ومزارعي أشجار النخيل المثمر أو نخيل الزينة, وتطرق الدليل الإرشادي إلى ذكر جوانب من أوجه نمو النخلة قائلاً: ''إن أشجار النخيل تمتاز بمستوى عال من التحمل للظروف البيئية ولذلك أعطيت الأولوية لزراعة أشجار النخيل المثمر في الدولة والزراعات التجميلية أيضا'', لذلك بقي نخيل البلح من الأشجار المثمرة المهمة المنتجة في الكويت باعتبارها ذات مناخ جاف وصحراوي واعتبرت النخلة شجرة رئيسية وبلغ معدل إنتاج الكويت من ثمار وتمور أشجار النخيل 10400 طن سنويا, أما في عمان التي تميزت بنظام ري ممتاز منذ القدم يجدر به أن يتخذ قدوة فقد أنتجت نخيلها أكثر من 40 صنفا من التمور, وتم إكثار النخيل بطريقتين وهي زراعة البذور أو عن طريق الفسائل, وهي الطريقة الأكثر اتباعا, وبلغ عدد أشجار النخيل فيها نحو عشرة ملايين نخلة, وفي حين تشهد البحرين في هذه الفترة تشجيرا للنخيل غير مسبوق على ضفتي شوارعها مرشحة للزيادة في ظل التشجيع للمزارعين على الإكثار من زراعته، لكن السؤال ماذا قدمت هذه الزراعة للدخل القومي؟ هل تلازم مع هذا التشجيع اهتمام استغلال ثمار أشجار النخيل وتطوير الصناعات القائمة عليها؟ ثم هل أنفقت دول الخليج على النخيل أكثر مما استفادت منه؟ النخلة التي مثلت جيل الأجداد خير تمثيل هي شجرة صبورة وقوية في وجه الأعاصير وبقيت في العراء صامدة مستعدة لغدر الزمان, لذلك يجدر بالشعوب الخليجية الفتية اقتفاء أثرها والسير على خطاها واتخاذها شعارا عندما تهب الأعاصير غير المحمودة على المنطقة. بقيت النخله شجرة مميزة وثمرها التمر الذي حمى حياة العرب والمسلمين من الجوع والمرض لمئات السنين, وهي أيضا اقتداء بسنة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي كان لا يمر يوم إلا ويأكل فيه تمر باعتباره غذاء متكاملا فيه من الفوائد الكثيرة, ثم اعتمد عليه الأجداد في رحلاتهم المضنية أيام البحر والغوص وبقيت أجسامهم قوية ومتماسكة, بينما بقي الأطفال الخليجيون والناشئة يأكلون الحلوى المليئة بالأصباغ وبقيت فكرة عمل عبوات صغيرة من التمر يحملونها في المدارس والرحلات تراوح مكانها بينما طبقت في دول أخرى كاليابان والولايات المتحدة, أما آن الأوان لاستخدام التمر في الغذاء والدواء؟ هذه الثروة هي على غرار النفط الخليجي مورد اقتصادي لم يقتصر إنتاجه على الدول الخليجية فحسب, بل شاركها فيه كثير من البلدان بدءاً من أمريكا وأستراليا, انتهاء بمناطق شمال وجنوب إفريقيا, لكن نخيل منطقة الخليج مضافا إليها العراق يعد من أجود أنواع النخيل في العالم وتميزت الثمار الخليجية بحلاوة خاصة وسمعة دولية, فهل آن الأوان لأن تقف هذه الثروة إلى جانب النفط؟ معروف أن دول الخليج كافة تنتج من التمور ما يفوق حاجة سكانها لكن أين يذهب فائض الإنتاج؟ كل الدلائل تشير إلى أن الفائض يجري هدره بسبب ضعف القدرة التسويقية وعدم جدية أغلبية دول الخليج في إقامة صناعات تستفيد من النخيل وثماره بالقدر الكافي, فإلى الآن تركز مصانع التمور على محدوديتها على شكلها التقليدي رغم أن الاستفادة من النخيل قد تجاوزت هذه الصناعات التقليدية إلى صناعات أخرى أكثر رواجاً كصناعة الخشب المضغوط والألياف ووسائد التبريد وغيرها من الصناعات التي تستغل النخلة كمحصول متكامل وليس فقط التركيز على محصولها من التمور, بل يمكن استخدام أجذعها كقواطع أو جدران أو سقوف في المطاعم الحديثة ذات النزعة التراثية كما يستخدم الجريد في صناعة الأثاث المنزلي, وفي كل الأحوال فإن الاهتمام بالنخيل من الناحية الاقتصادية سيوفر ميزة إضافية لدول الخليج بجوار الميزة النفطية وما زال يتطلب وضعه على أجندة المشاريع القومية الخليجية حتى تتحول النخلة إلى بئر تنتج نفطا وأموالا للخليجيين بعد أن غدرت بهم أسواق العقارات والبورصات والأسهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي