Author

ماذا بعد تحذير سعادة المدير؟!

|
قبل أيام قليلة أكد المدير العام للشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة الدكتور علي الحناكي أن قضية هروب الفتيات في طريقها لأن تصبح ظاهرة في المجتمع السعودي ما لم تعالج، مشيراً إلى أنها مشكلة تزداد يوماً بعد آخر، ما أوجب دراستها ورصدها والسعي لإيجاد الحلول لها. وأنا أتفهم جيداً معنى أن يصرح الدكتور الحناكي بهكذا تصريح, فالقضية خطيرة وتستحق الوقوف عندها, لكنني بكل أمانة لا أستطيع أن أتقبل نفسياً الكلمات الفضفاضة مثل «علاجها» و»إيجاد الحلول لها قبل أن تتحول إلى ظاهرة», فالقضية ليست قضية حي عشوائي من الممكن أن تتم إزالته بعد دراسة جدوى, ولا هي قضية ازدحام شارع من الممكن حلها بتوسعته, فهروب الفتيات في رأيي «ظاهرة» بحاجة للاحتواء لا العلاج لأن «العلاج» بكل بساطة أمر سحري لا يمكن تحقيقه إلا إن استطعنا حل جميع المشكلات الاجتماعية وتحويل جل أفراد المجتمع إلى ملائكة بطريقة أو أخرى! وآمل ألا يُفهم من كلامي هذا أنني أحاول التقليل من شأن الجهود التي تبذلها «الشؤون الاجتماعية» في دراسة المشكلة, لكنني أعلم كما تعلمون ويعلم الدكتور أن مشكلة زيادة أعداد الفتيات الهاربات من جحيم منازلهن في المملكة مرتبطة إلى حد كبير بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والزيادة السكانية التي شهدتها المملكة خلال السنوات الماضية والمشكلات المصاحبة لها, وليس من المنطق أن نعكف على الدراسة تلو الأخرى للتعرف على أسباب مشكلة ما دون أن نحاول احتواءها عن طريق الاستعداد التام للمضاعفات التي ستنتج عنها حتماً سواء دُرست المشكلة أم لم تُدرس. حسناً لنتحدث بصراحة, ونعترف بأن المشكلة في حد ذاتها أصغر مما ستنطوي عليه تبعاتها, فهروب فتاة من منزل أسرتها لسبب ما كممارسة العنف الجسدي ضدها لن يعد مشكلة إذا كانت الجهات المسؤولة مستعدة تماماً لتوفير الرعاية والمنزل البديل لها حتى تزول الأسباب التي دفعتها للهرب, بل قد يكون هروبها من المنزل في هذه الحالة حلاً لمشكلة أكبر كفقدان حياتها مثلاً جراء العنف الممارس ضدها. ولهذا فلا بد من الاستعداد التام لاحتواء هذه الظاهرة بتوسيع دور الحماية وتحديث أنظمتها تماشياً مع الزيادة السكانية التي ستزداد معها حتماً أعداد الهاربات, ولا بد أيضاً من إعداد حملات توعوية تستهدف المعنفات والمراهقات في المدارس والجامعات لإرشادهن إلى الجهات التي من المفترض أن يلجأن إليها في حال أجبرتهن الظروف على الهرب, فالمراهقة التي تهرب من منزلها اليوم تجد نفسها في الشارع معرضة للاختطاف والانحراف لجهلها بأن هناك جهات ستستقبلها وتوفر لها الرعاية وتحميها إن هي توجهت إليها, وهذا هو الخطر الحقيقي . إن من الاجحاف اعتبار كل فتاة هربت من منزلها مجرمة تستحق العقاب, فكم من هاربة ليست سوى ضحية بحاجة لمد يد العون والإنقاذ, ولذلك فإن من الخطأ اعتبار قضية «هروب الفتيات» مشكلة في حد ذاتها, بل المشكلة الحقيقية تتمثل في عدم معرفة عشرات الآلاف من بنات هذا المجتمع أن هناك جهة مستعدة لاستقبالهن إن أجبرن على الهرب للنجاة بحياتهن, وهذا مربط الفرس!
إنشرها