رمضان يغادرنا بإجابات حاسمة
كنا ندعو الله أن يبلغنا شهر رمضان وها نحن ندعوه، سبحانه وتعالى، أن يتقبله منا خالصا لوجهه الكريم، شهر امتزجت فيه فرحة الصيام والقيام بألم الاستمرار الإعلامي الحاشد لمختلف البرامج الترفيهية التي تؤثر في عطائنا الديني, وخصوصا الشباب منهم، ولكن ما يميز هذا الشهر المبارك أنه غادرنا بعد أن قدم لنا إجابات حاسمة لقضايا نناقشها في مجالسنا ونتخاطب فيها في أعمالنا وكنا نتفق أو نختلف حولها ولكن بعد انقضاء شهر رمضان أصبحت الإجابات حاسمة ولا تقبل الاختلاف أو الرأي الآخر وأول تلك الإجابات الحاسمة هي أهمية توسعة المسعى الذي جاء بإرادة وإصرار من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لعمق النظرة والرؤية الإسلامية له، يحفظه الله، هذه التوسعة التي جعلت جميع المعتمرين يدعون لخادم الحرمين بالتوفيق والسداد وطول العمر لرفع المشقة عنهم وجعل السعي رحلة طمأنينة وعبادة ليس لها مثيل بدل الاختناق والازدحام الذي كان يعرف به المسعى ولم يشوه هذا الإنجاز إلا بعض من يصر على السعي في المسعى القديم ممن يحسبون على الإسلام والدولة بمواقفهم.
ثاني تلك الإجابات الرمضانية الحاسمة هو الموقف من الفئة الضالة، فبعد الهجوم الانتحاري الفاسد الذي سلم الله، سبحانه وتعالى، منه سمو الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في المملكة العربية السعودية، هذا الهجوم الانتحاري الذي حاول استغلال الروح الطيبة والأخلاق الإسلامية الحميدة والحرص الوطني السعودي على أبناء المملكة الذي يتمتع به سمو الأمير محمد بن نايف وكيف أن هذا الفكر الضال المضل لم يراع للإسلام حرمة الشهر والمكان والإنسان، كما أنه لم يراع رغبة الإصلاح والغفران والتسامح مع منسوبي هذا الفكر الضال ولم يراع مكارم الأخلاق الإسلامية والعربية في احترام العهود والمواثيق وإكرام المضيف، لأن الإنسان العربي يعرف عنه شيمة احترام حقوق الضيف والمضيف وهو ما عززه الإسلام بقول المصطفى، عليه الصلاة والسلام: ''إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق''، وهل من مكارم الأخلاق أن تعتدي على من أعطاك الأمان وأكرمك في منزله، هذا التصرف الأرعن في هذا الشهر المبارك على هذا الإنسان المسلم الشهم يؤكد فساد هذا الفكر المتطرف الأرعن الإرهابي وكل من يقف خلفه من القيادات والمُجندين والمجذرين والداعمين بكل أشكال الدعم المعنوي والمادي، ولقد أكرم الله، سبحانه وتعالى، الأمير محمد وعصمه من ذلك الاعتداء الآثم الذي يقف خلفه فكر وعمل يتجاوز هؤلاء السذج البسطاء إلى عصابات إجرامية دولية تعمل من أجل إفساد هذا المجتمع السعودي العربي المسلم.
ثالث تلك الإجابات الرمضانية الحاسمة هو إسلام أكثر من 660 صينيا ممن يعملون مع الشركة الصينية في تنفيذ مشروع قطار المدينة المنورة - مكة المكرمة، ففي بداية توقيع العقد وترسية المشروع على الشركة الصينية وردت للإدارات الحكومية المعنية عشرات وربما مئات الرسائل التي تندد بالتعاقد مع تلك الشركة الكافرة وتشجب وتستنكر دخول هؤلاء الكفرة إلى بلاد المسلمين، وأغلب تلك الاستدعاءات والرسائل تحمل في جوفها وطياتها الخوف من الفكر الكافر على أبناء المسلمين في المواقع التي يعمل بها هؤلاء الكفرة على حد زعمهم أو قلقهم، وكيف أنه يجب الاستعانة بعمال من الدول الإسلامية إلى آخر تلك الاستدعاءات مع العلم أن مثل هذه المشاريع تحتاج إلى شركات عملاقة تملك المعرفة التصميمية والتنفيذية والقدرة المالية على القيام بمثل تلك الأعمال، وكان التعاقد مع الشركة الصينية في فترة الطفرة الاقتصادية العالمية وشح الأيدي العاملة والشركات المؤهلة للقيام بمثل هذا المشروع.
لقد استطاع أبناء مكة المكرمة ـ وفقهم الله ـ وخلال فترة لا تتجاوز الأربعة أشهر من التواصل مع العاملين في تلك الشركة واستمالتهم للدين الإسلامي من خلال إيضاح سماحته ومبادئه وتعاليمه، إضافة إلى حسن تعاون وتعامل هؤلاء الدعاة مع عمال الشركة، هذا التعامل والتعاون أثمرا خلال تلك الفترة البسيطة عن إسلام أكثر من 10 في المائة من العاملين في الشركة وهو عدد يتجاوز 660 شخصا خلال شهر رمضان المبارك، هذا الحدث العظيم مع كل ما يحمله من خير لهؤلاء المسلمين الجدد وما يحمله من خير للمئات أو ربما الآلاف من أهاليهم عندما يدخلون معهم للإسلام لم يحظ بأي رسالة شكر من أولئك الخائفين على الإسلام والمسلمين من هؤلاء الكفرة، بمعنى لم أقرأ أو أسمع أن أحدا منهم كتب يعتذر عن سوء تقديره للأمور وسوء ثقته في دينه ونسي أنه الدين الذي وعد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ألا تقوم الساعة حتى يصل لكل أقطار الأرض، وفي الوقت نفسه لم يكلف أي واحد من هؤلاء الخائفين نفسه أن يرسل رسالة تهنئة أو شكر للعاملين في مجال الدعوة والإصلاح على جهودهم المباركة في استقطاب هذا العدد الكبير من المسلمين الجدد الذين أدوا الشهادة في شهر رمضان المبارك وبعضهم قبله بفترة بسيطة.
لقد جاء إسلام هذا العدد المبارك من العاملين الصينيين في تلك الشركة وما سيتبعه، بإذن الله، من إسلام لأعداد أخرى من العاملين وما نتوقعه، إن شاء الله، من إسلام عديد من أفراد أسرهم ردا حاسما في وجه كل من يحاول أن يشكك في قدرة أبناء مكة المكرمة بشكل خاص وأبناء المملكة العربية السعودية بشكل عام في التعريف الصحيح بدينهم من خلال القدوة الصالحة الناصحة العاملة وفقا للنهج الإسلامي الصحيح المنطلق من قول المصطفى، عليه الصلاة والسلام: ''المؤمن العامل أحب إلى الله من المؤمن العابد''، وهو الجهد الذي رأيناه في إسلام هؤلاء العمال من خلال جهود المؤمنين السعوديين العاملين في مكة المكرمة، هذا الرد الحاسم يؤكد مرة أخرى أن قلق وخوف الخائفين أو المتخوفين أو المخوفين من كل جديد أو تطوير أو عمل هو خوف في غير محله، وأن مواقفهم الرافضة لكل جديد هو انطلاق من قاعدة ضعيفة لا ترقى إلى طموح ورغبة القيادة السعودية الصادقة في الرقي بالمواطن السعودي إلى المستوى العالمي المتميز قولا وعملا وعطاء ونموذجا، بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
ستخلق جدة وتجود حال وعند الحق تختبر الرجال
وللدنيا ودائع في قلوب بها جرت القطيعة والوصال
تخوف ما لعلك لا تراه وترجو ما لعلك لا تنال
وقد طلع الهلال لهدم عمري وأفرح كلما طلع الهلال