في رمضان: هل نصوم الليل أم نصوم النهار؟

لو طلبنا من الآخر أو شخص غير مسلم أن يقدم تقييماً أو رأيا عن صيامنا نحن السعوديين لرمضان لقال أنتم تنامون النهار وتسمرون الليل في الأعمال والأموال والأسواق والبرامج الترفيهية والاجتماعية والإعلامية. ولو قلنا له إن الصيام ليس كما تقول بل هو امتناع عن الطعام والشراب نصف اليوم (12 ساعة تقريبا) لقال لنا إذا فصوموا الليل فأنتم في النهار نائمون ولستم صائمين.
نحن نحتاج في مجتمعنا إلى أخذ تقويمات مستقلة خارجية لجميع قطاعاتنا الاقتصادية، التعليمية، الاجتماعية، والدينية أيضا، وذلك لأن التقويم إذا كان خارجيا فإنه من ناحية يعد أكثر استقلالية وأبعد عن التأثر بالمصالح أو الرؤى الخاصة لشرائح المجتمع المختلفة.. لماذا لا يكون لنا اهتمام أكبر بجهات التصنيف لجميع قطاعاتنا الاجتماعية وليس فقط لجامعاتنا المحترمة التي أخذت تغازل وكالات التصنيف بعد أن أثار الإعلام المحلي الوضع المأساوي المتدني لتصنيف جامعاتنا؟ ماذا عن تصنيف التعليم العام وأدائه وجودته وجدواه وقيمة مخرجاته وخريجيه بواسطة وكالات دولية مستقلة؟ لماذا لا يكون هناك أيضا تصنيف من الوكالات الدولية لمختلف مناحي حياتنا الاجتماعية والثقافية والدينية أيضا من حيث خدمتها لمصالحنا الاقتصادية الدنيوية والتي يحث عليها القرآن بمناداته دائما بالتوازن بين الدنيا والآخرة (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
إن ظواهر حياتنا السعودية والخليجية في رمضان وتعاملنا معه غريبة عن جوهر ما يدعو إليه الدين ويحث عليه الإسلام وتنادي به الفطرة السليمة!! فالدين والإسلام دائما يدعو إلى أن يكون النهار معاشا والليل لباسا والليل سكنا، لأنه هكذا الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الكون والكائنات والممارسة الإنسانية الطبيعية للحياة المنتجة الهادفة المعتدلة البعيدة عن السرف والتبذير واللهو المستمر والعبث الدائم .. هل نتصور أن ما يدعونا إليه الدين في رمضان أن نقلب الليل نهارا والنهار ليلا لنصوم رمضان؟! معاذ الله فهذا تأباه الأنظمة الراقية والحياة السليمة الصحية المنتجة المتوازنة.
ثلاث حقائق أكاد أجزم أن القارئ لا يختلف معي عليها: أولها أن ظاهرة انقلاب الليل والنهار في رمضان حديثة نسبيا في مجتمعنا بدأ نموها مع قرار تغيير الحكومة (والتي يشكل موظفوها ما يقارب نصف التوظيف في الاقتصاد) للدوام الرسمي من الساعة السابعة والنصف 7:30 إلى العاشرة 10:00 صباحا في أيام الطفرة الأولى في التسعينيات الهجرية (السبعينيات الميلادية).. وثاني هذه الحقائق أن الدول العربية (غير الخليجية) والدول الإسلامية تعيش رمضانها نهارا بالعمل المعتاد والدوامات المبكرة وتعيش ليلها بعد التراويح سكينة وراحة وطمأنينة وهدوءاً لا يختلف مع بقية الشهور.. وثالث هذه الحقائق أنني أجزم أننا لو اطلعنا على إحصائيات الاستهلاك المبالغ فيه والإنتاج المتدني في رمضان لوجدناها مرعبة مفزعة مخيفة بالنسبة إلى بقية الشهور وهذا لا يخدم مصلحة دين ولا مصالح وطن ولا نمواً اقتصادياً.
شهر رمضان الذي كان في تاريخنا إنجازات وفتوحات شملت غزوة بدر وفتح مكة وقتال التتار ومقارعة الصليبيين نجعله اليوم شهرا باردا فاترا منكوسا نضيع فيه مصالح الدين ومصالح الدنيا.. لماذا لا نعود إلى تعاملنا الفطري مع رمضان ونصطلح مع الحياة فيه فنجعلها حياة مملوءة بالتغيرات الاقتصادية على مستوى الأفراد بزيادة الادخار وإنقاص الاستهلاك والإعلان عن ترك بعض العادات السيئة الاجتماعية والسلوكية الفردية، وعلى مستوى المجتمع والدولة بإعلان المشاريع وإطلاق البرامج التنموية ودعوة المجتمع إلى الإنتاج وليس الاستهلاك.
هل رمضان هو الانطلاق في الأسواق والأعمال والأموال والترفيه الاجتماعي بعد ركيعات لا يتعدى زمنها نصف ساعة؟ هل رمضان أن تجد الناس كل الليل في حالة اضطراب وخروج ودخول وتسوق وزيارات وبرامج قنوات ترفيهية ثم نوم قريب من الفجر أو بعده إلى أن يقترب الليل؟ هل الآية الكريمة تقول (كلوا واشربوا ثم ابدؤوا (النوم) إلى الليل)؟! هل رمضان أن تجد بيوتنا رجالها ونساءها شبابها وشيبها منطرحين على الفرش طوال النهار؟! هل رمضان هو هذا؟! معاذ الله أن يدعونا الإسلام إلى شهر نستسلم فيه للنوم والخمول والكسل في النهار نشتغل بتتريس البدن في الليل بمختلف المأكولات والمشروبات والبرامج الترفيهية والتبذير والتسلية والمشي في الأسواق وراء مزيد من الاستهلاك والإسراف.
إذا فنحن في حاجة إلى توعية وإرشاد وتوجيه وإعادة تقويم لأوقات العمل الحكومية وغير الحكومية، ولابد للجهات المسؤولة من مجلس الشورى وحكومتنا الموفقة وجهات التقويم والإحصاء والمعلومات والإعلام أن تقوم بدورها ومسؤوليتها وأمانتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي