Author

قضايا غير قابلة للاحتمال!

|
يروي أحد علماء النفس من محاضرة له حول (التحكم في الذات)، عن رجل أمريكي أنه سمع بحكيم صيني يدل على مفتاح السعادة؛ فاستقل طائرة قطع بها نصف قطر المعمورة، ليصل إليه. وهناك استقبلته سيدة متواضعة في بيت بسيط طلبت منه الانتظار قليلاً، ولكن الأمريكي بدأ ينفد صبره عندما اقترب الانتظار أكثر من ثلاث ساعات؟ أطل عليه الحكيم الصيني بوجه مهيب وجلس إليه، ولم يعتذر عن التأخر، وخاطبه هل تريد شرب الشاي؟ قال الشاب الأمريكي متعجباً: ماذا تقول ؟ كرر الحكيم الصيني الجملة نفسها: هل تريد كوباً من الشاي؟ تمالك الأمريكي نفسه وصر على أسنانه وقال: نعم أريد شرب الشاي. وبعد قليل دخلت الخادمة بصينية الشاي، فبدأ الحكيم يصب للشاب قدحاً من الشاي، واستمر في ملء القدح حتى فاض، واستمر في السكب أمام دهشة الأمريكي، حتى اندلق على الطاولة، وبدأ في الوصول إلى أرض الغرفة! وكانت محطة تجربة وجب على الأمريكي الانتباه لها ولكن ركبته الغفلة والسرعة، وهي تذكرنا من طرف باستعجال (موسى) في طلب التفسير لقضية غير قابلة للاحتمال. عندها لم يتمالك الأمريكي نفسه: ماذا دهاك أيها الحكيم ألا ترى أين يتدفق الشاي. أجاب الحكيم بهدوء: انتهت المقابلة. صرخ الشاب: قطعت آلاف الكيلومترات، لأنتظر الساعات الطوال، لتعرض علي كوبا من الشاي، ثم ليتدفق الشاي على أرض الغرفة ما هذا؟ وقف الحكيم يودعه على باب الغرفة قائلاً: هل تعلم ماهو مفتاح السعادة؟ أن تحضر إلي وأنت غير ممتلئ، وإلا كان مصيرك مصير القدح الذي امتلأ بالشاي ففاض. ويعقب عالم النفس على ذلك بقوله إن النفس مستودع عجيب لتيارات شتى من المشاعر لا تعرف التوقف، فقد يستيقظ أحدنا صباحاً وهو في مزاج رائع؛ فإذا صادف شيئاً من المتاعب استقبلها بصدر رحب وتجاوزها. وقد يكون على العكس متوتراً قد يثور ويغضب لأمر بسيط. وقد لا نعلم على وجه الدقة لماذا كان أحدنا بمزاج سعيد أو كئيب. وكما كانت الطبيعة في يوم عابسة مكفهرة تثير الضيق في النفس، كذلك قد تكون رائعة بمناخ عليل منعش تثير المشاعر الإيجابية. ولكن الإنسان يختلف عن الطبيعة، فهي لا تملك الإرادة الواعية الحرة، أما الإنسان فهو قمة الوجود ويملك الإرادة. وفي هذه النقطة فإن التحكم في الذات هو جوهر ارتفاع الإنسان وتغيير محيطه، فالإنسان يصوم ضد إرادته، ولم نسمع عن قط أنه صام، أو عشب أنه انتحر، والإنسان يفعل كليهما. إن الدخول إلى النفس على هذه النية يجعل التحكم في المشاعر ممكناً، ويزداد قوة بالمران عليه، ولكن نقطة الانطلاق فيه هي نظام الأفكار. فمن يتمكن من ذلك فيغير نظام الفكر يغير السلوك، وبتغير السلوك تتغير العادات، وهي بدورها ترسم طباع الإنسان. ويقول عالم النفس البريطاني (هادفيلد) متسائلاً: يا ترى ماهو المنبه المناسب لتنشيط الإرادة؟ ويجيب على ذلك بقوله، إن الضوء يثير حاسة البصر، وإن الأصوات تثير حاسة السمع، وإن الروائح تنشط حاسة الشم، ولكن ما يثير الإرادة هو المثل الأعلى. ويقول الرب:« انفروا خفافا وثقالا». ويقول الرب:«والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين». ويقول الرب:« وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون».
إنشرها