التنمية وأركان تحقيقها وتنفيذها
يخطئ من يعتقد أن التنمية هي بعثرة فلوس هنا وهناك في مشاريع قد لا ترى النور لأسباب عديدة أهمها غياب المفهوم الشامل للتنمية وتحقيق أركانها الأساسية التي يتم الاعتماد عليها لتحقيق تنمية متوازنة وشاملة ومستدامة, وأركان التنمية الأساسية هي:
1- الرؤية والاستراتيجيات والخطط الواضحة. 2- الكفاءات البشرية القادرة على تحقيق الرؤية. 3- الوفرة المالية. 4- القدرة التنفيذية للمشاريع والبرامج المعتمدة ضمن الرؤية التنموية.
الركن الأول لتحقيق التنمية هو وجود رؤية ذات أهداف واضحة تنتج استراتيجية أو استراتيجيات ذات مخرجات تحمل الأبعاد الزمنية لتحقيق الرؤية وفقاً لما يجب أن يكون عليه الحال التنموي خلال فترة زمنية محدودة، هذه الرؤية وما تحمله من أهداف وما يتم ترجمته من مشاريع وبرامج من خلالها لا تستطيع أن ترى النور إذا لم يستقطب لها الكفاءات البشرية القادرة على تحقيقها ولهذا تعد الكفاءات البشرية الركن الثاني من أركان تحقيق التنمية.
الكوادر والكفاءات البشرية عنصر أساسي من عناصر وأركان تحقيق التنمية ويخطئ من يعتقد أن الكفاءات الضعيفة أو المتخاذلة أو الانقيادية تستطيع أن تحقق التنمية لأن مثل هذه الكفاءات أو الكوادر تعد معطلا للتنفيذ وليست محققا له لأسباب منها عدم فهمها للخطط والاستراتيجيات حتى لو حاولنا تدريبها تبقي غير قادرة على الاستيعاب ثم إن عدم الاستيعاب والفهم يؤديان إلى عدم القدرة على تطوير الخطط والاستراتيجيات وتحقيق تواكبها مع متغيرات المرحلة والظروف المتغيرة والمهم من ذلك عدم قناعتها بأهمية التخطيط قبل التنفيذ لأن العديد من الكوادر الإدارية يبدأ في التنفيذ قبل التخطيط وهو ما يؤدي إلى تعطل المشاريع وإضاعة الأموال في مشاريع فاشلة غير مدروسة أما الكوادر الانقيادية أو ما يطلق عليها Mr.Yes وهم من يقومون بالتنفيذ دون وجود المعرفة أو الرغبة في المعرفة وهم أقرب إلى الآلات التي تعمل دون تفكير، حتى وإن كنا نحتاج إلى مثل هذه الكوادر في تنفيذ المشاريع إلا أن وجود الكوادر ذات الكفاءات الإدارية والفنية المتميزة ترفع من جودة التنفيذ وتتواصل مع المشاريع وأهدافها وبرامجها من خلال التطوير المستمر لها أثناء التنفيذ ثم التشغيل، ولهذا فإن الإعداد والاستعداد لتحقيق التنمية المتوازنة والشاملة والمستدامة تتطلب التأهيل والتدريب والاستقطاب للكفاءات وتوفير الحوافز الجاذبة لها، وعندما تترجم الكفاءات البشرية خطط وبرامج التنمية إلى مشاريع فإنها تحدد لها المبالغ المالية المطلوبة لتنفيذها من خلال مختلف المصادر المالية المباشرة وغير المباشرة ولهذا فإن القدرة المالية تعد ركنا من أركان تحقيق التنمية.
القدرة المالية لا تعني الاعتماد على مصدر تمويل واحد كما هو حادث في بعض الدول ذات الاقتصاد الواحد، حيث يعتمد تنفيذ خططها التنموية على ما توفره وزارات المالية بها من ميزانيات تعتمد على دخل الدولة وإنما القدرة المالية تعني توفير المصادر التمويلية المختلفة المباشرة وغير المباشرة والأهم من ذلك هو إيجاد مصادر تمويل دائمة من خلال الاستثمارات ذات العائد الاقتصادي المستمر وعدم الاعتماد على مصدر دخل واحد للدولة، وتوفير القدرة المالية يعد مفصلا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية ولعل تجربة المملكة خلال الخطط الخمسية السابقة خير مثال على ذلك فعندما انخفض سعر النفط في منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي تعرضت التنمية في المملكة إلى مرحله أقرب ما تكون إلى الشلل النصفي، هذا الشلل الذي استمر قرابة 20 عاما أدى إلى تأخر تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية بل تعدى ذلك إلى الإضرار بالمؤسسة الحكومية وتأخير تطويرها وجعلها قطاعا طاردا للكفاءات بسبب تدني رواتب العاملين فيها وتجميد العديد من الحوافز المالية وغيرها وهو ما أثر في القدرة على تحقيق أهداف وخطط التنمية في المملكة في فترة كنا نحتاج فيها إلى إيجاد مصادر لتمويل المشاريع خارج إطار فكر ورؤية وقدرة وزارة المالية، هذه المرحلة قد تتكرر مرة أخرى مع انخفاض أسعار النفط اليوم وهو ما لا نرجوه, ولهذا فإن تكامل أركان تحقيق التنمية يتطلب الوضوح المطلق والصريح في أسلوب تنفيذ المشاريع والبرامج التي تعتمد.
تعد الكفاءات البشرية المؤهلة والمدربة القادرة على فهم المعنى الصحيح لتنفيذ المشاريع المعتمدة وعدم تعطيلها بحجج واهية مثل أن هذه المشاريع تحتاج إلى إعادة تقييم خصوصاً مع التغيير المستمر في القيادات التنفيذية التي كل ما جاء مسؤول منها إلى دفة القيادة أوقف كل المشاريع التي اعتمدت ممن سبقه وطلب مراجعتها وأحيانا التحقيق مع من أعدها من الكفاءات المحسوبة على القيادات السابقة وبهذا يتم قتل روح وعطاء أهداف التنمية وتصبح المشاريع حبرا على ورق، ولهذا تعد الكفاءات المنفذة لأهداف التنمية ركنا أساسيا من أركان تحقيق التنمية مثلها مثل الكفاءات التي تعمل على وضع الرؤية التنموية لأن العلاقة بين المنظر والمفكر من جهة والمنفذ من جهة أخرى علاقة أساسية ومهمة في مجال التنمية، لأن المفكرين والمخططين عندما يضعون الخطط والبرامج ثم لا تنفذ يصبح عملهم ووقتهما جهدا ضائع ولهذا للأسف نجد من ينتقد مثل هؤلاء المفكرين والمخططين ويطلق عليهم بتهكم المنظرين، وفي الجهة الأخرى عندما يقوم المنفذون بتنفيذ المشاريع دون وجود الرؤية التنموية، تصبح تلك المشاريع معوقا لها والاستفادة منها تصبح محدودة جداً ولهذا نرى كيف أن بعض المشاريع تنفذ بمئات الملايين ثم تزال بعد فترة زمنية قصيرة نتيجة غياب العمل التنموي المتكامل والمترابط بين التخطيط والتمويل والتنفيذ.
المملكة اليوم ولله الحمد لا تعاني من مشكلة وضوح الرؤية ولا تعاني من مشكلة وجود القيادات المفكرة والمخططة ولا تعاني إلى حد بعيد من مشكلة الوفرة المالية ولكنها وبكل حق وصدق تعاني من مشكلة بعض القيادات التنفيذية التي تقف غالباً عائقا في وجه تحقيق أهداف وبرامج التنمية وتصبح سببا في تأخر المملكة التنموي. بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء عربي اللسان إسلامي المعتقد عالمي الطموح.
وقفة تأمل:
ابلغ أحبة في ثنايا القلب منزلهم
أني وإن كنت لا ألقاهم ألقاهم
وأن طرفي لموصول برؤيتهم
وإن تباعد عن سكناي سكناهم
ياليتهم يعلموا أني لست أذكرهم
وكيف أذكرهم إذ لست أنساهم
كل عام وأنتم بخير وتقبل الله صيامنا وقيامنا ودعاءنا والشهر مبارك عليكم جميعا... أحبتي.