تصحيح وضع الأحياء العشوائية في منطقة مكة المكرمة مثال للإدارة الناجحة!

نشرت صحيفة ''الشرق الأوسط'' في عددها الصادر بتاريخ 20/8/1430هـ, أن مصادر مطلعة في أمانة منطقة جدة كشفت لها عن أن الأمانة استطاعت استعادة نحو 60 مليون متر مربع (60 كيلو مترا مربعا) من مساحة جدة السكنية المعتدى عليها, وأزالت ما عليها من عقارات, سواء كانت تحمل صكوكا غير رسمية أو تراخيص!.. وقدر نائب رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية في مدينة جدة عبد الله الأحمري القيمة الإجمالية لهذه المساحة الكبيرة من الأراضي المعتدى عليها بأكثر من 300 مليار ريال!.., وأضاف أنه لو استثمرت الاستثمار الأمثل لغطت رقعة كبيرة من احتياجات المواطنين من العقارات, بحيث تخطط وتبنى على شكل مساكن, حيث تكفي لبناء نحو 30 ألف وحدة سكنية, عدا المحال والمكاتب التجارية, وأن هناك توجيهات من أمير منطقة مكة المكرمة بإزالة التعديات على أراضي الدولة وتخطيطها لتغطية تنفيذ المنح السكنية للمستحقين من المواطنين!..., وبين المهندس عبد المنعم نيازي عضو اللجنة العقارية في الغرفة التجارية أن تطوير منطقة البلد وقصر خزام له فوائد إيجابية على الفرد والمجتمع, منها التعامل مع الأمور على بينة واضحة, وذلك عبر استراتيجية تطرح من خلال متعاونين وشركات استشارية لتنقيح وإعادة صياغة الأحياء العشوائية.. (انتهى).
من الواضح أن هذه النتيجة هي ثمرة من ثمار تصحيح وضع الأحياء والمناطق العشوائية في منطقة مكة المكرمة بعامة, وفي مدينتي مكة المكرمة وجدة على وجه التحديد, وهي الاستراتيجية التي طرحها وتبناها أمير منطقة مكة المكرمة الحالي الأمير خالد الفيصل, وأخذت طريقها للتنفيذ دون تراجع, بعد أن نالت ما تستحق من التأمل والدراسة وقياس النتائج, وأخذ جميع الاحتمالات في الحسبان!.., بيد أن ما ظهر في مدينة جدة من نتائج تعد مناسبة فريدة تستحق التوقف أمامها وتأمل مضامينها الآتية:
أولا: لماذا احتاج هذا الأمر إلى عقود طويلة, زادت من تضخم حجم المشكلة وتعقدها, ومعاناة الوطن منها, إلى أن أتى خالد الفيصل كمنقذ, وكرجل إدارة من طراز فريد يستثمر رؤيته الحصيفة للأمور في قرارات يقف بنفسه على تنفيذها, وحل ما يواجه التنفيذ من مشكلات؟!.., وإلا فأين كان من سبقوه, وبخاصة في الأمانة, وهم المسؤولون مسؤولية مباشرة عن مشكلة نشوء هذه العشوائيات وتمددها؟!.. وقد توافر لهم الدعم المادي والمعنوي من الدولة؟
ثانيا: لقد تأملت طويلا الرقم الذي ذكر عن قيمة الممتلكات المعتدى عليها, وساورني الشك في مدى صحته, لكن حينما أعود وأجد أن من قام بتقدير القيمة, وهو نائب رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية, هو شخص محايد, ليس من منسوبي الأمانة, ويفترض فيه التخصص والإلمام والمسؤولية عما يصدر منه, أجد من اللازم القبول بالتقدير الذي يقارب حجم ميزانية الدولة لممتلكات كانت ستضيع!..., ومن ثم أفترض أنه لو استثمرت هذه الممتلكات الاستثمار المعقول, فإن أمانة جدة ينبغي ألا تمد يدها إلى إعانة الدولة بعد ذلك, بل إنها تستطيع أن تفيض من خيرها على توابعها من بلديات المحافظة!
ثالثا: إن تخصص مدينتي مكة المكرمة وجدة أكثر من غيرهما من المدن في تكوين العشوائيات ونموها بشكل كبير وغريب, حتى أصبحتا مقرا للمخالفات ومصدرا للتهديد الأمني, يثير أكثر من تساؤل: هل السبب هو ضعف القيادات الإدارية التي سلفت وعجزها عن مواجهة المشكلة؟ أم أن السبب يكمن في ضعف الذمم وموت الضمائر وتغاضي الرقيب, وربما استفادة البعض من الوضع القائم؟!.. أم ترى أن السبب هو كونهما, أي المدينتين واقعتين في قلب المناطق المقدسة ومحيطها, وأن كون المتخلفين والمترسبين من مواسم الحج والعمرة هم أكثر من يقيمون في تلك الأحياء, ويسعون بالتالي إلى تكوينها؟!.., وسواء كان السبب واحدا أو أكثر, فقد كان مقدرا أن ننتظر طويلا حتى مجيء المنقذ, خالد الفيصل!
رابعا: لا يمكن حصر أو الإحاطة بكل الفوائد التي سيجلبها تطوير تلك الأحياء على المدن ذاتها, وعلى الوضع بعامة, فالفائدة الأمنية تتمثل في تفكيك وإزالة بؤر المخالفات والفساد, ومن ثم تحويل تلك الأحياء إلى مسالك آمنة, والفائدة البيئية والصحية تتمثل في تسهيل نقل وإزالة المخلفات وإقامة المرافق الصحية, والفوائد الاجتماعية تجيء من التواصل والتمازج بعد التطوير مع الأحياء المجاورة, أما الاقتصادية فتتمثل في إتاحة فرص العمل والاستثمار لمن يقطنون تلك الأحياء, بعد تصحيح أوضاع بعضهم, وهذا كله, وغيره, سيؤدي إلى الارتقاء بأوضاع تلك الأحياء وساكنيها وإضفاء كثير من معاني الاعتبار والتقدير للإنسان والمكان!
خامسا: هناك عشوائيات كثيرة موجودة في مدن أخرى في المملكة, ولا سيما في المناطق التي يغلب عليها طابع التأخر والفقر, أو تكثر فيها الجاليات المقيمة بصورة غير نظامية, فهل سيتعلم أمناؤها ورؤساء بلدياتها من التجربة, ويستفيدون منها في تطوير الأحياء العشوائية والنهوض بها إلى المستوى اللائق للعيش؟!.., وإذا كانت التجربة الماثلة أمامهم ستؤدي إلى إعادة تخطيطها وبنائها واستثمار مرافقها التجارية واستفادة ساكنيها من ذلك كله, فلماذا التباطؤ؟!
سادسا: إذا نجحت تجربة (خالد الفيصل), وبوادر النجاح ماثلة للعيان, فإنها تعد مثلا للإدارة الناجحة الفذة وتجربة لم يسبقه إليها أحد, وتستحق أن يحتفى بها, وتدرس في مدارس الإدارة المتخصصة, وينظر إليها كعنوان للعزيمة والإصرار والعمل المخلص الذي يراد به مصلحة البلاد والعباد.
يقول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
ويقول آخر:
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي