الاقتصاد: المعنى والمصدر (2 من 2)
المعاني اللغوية
لغة، اقتصاد مشتقة من قصد. ولها عدة معان، ولكن يهمنا منها ماله صلة بالمال والإنفاق ونحوهما.
جاء في لسان العرب (باختصار):
القَصْد في الشيء خلافُ الإِفراطِ، وهو ما بين الإِسراف والتقتير، والقصد في المعيشة أَن لا يُسْرِفَ ولا يُقَتِّر، يقال فلان مقتصد في النفقة، وقد اقتصد، واقتصد فلان في أَمره أَي استقام، وقوله ومنهم مُقْتَصِدٌ بين الظالم والسابق.
كما جاء في المعجم الوسيط (باختصار):
قصد في الحكم عدل، وقصد في النفقة لم يسرف ولم يقتر، واقتصد في أمره توسط.
المعاني حسب الكلمتين الإنجليزيتين
أولا: economy
جاء في قاموس أكسفورد المشهور Oxford Advanced Learner's Dictionary ، الطبعة السابعة (2005) التفسيرات التالية
1- the relationship between production, trade and the supply of money in a particular country or region
1- العلاقة بين الإنتاج والتجارة وعرض النقود في دولة أو إقليم محدد
2- a country, when you are thinking about its economic system
2- دولة عندما تفكر بنظامها الاقتصادي
3- the use of the time, money, etc. that is available in a way that avoids waste
3- استعمال الوقت والنقود ... إلخ، بطريقة تحسن تتلافى التضييع أي فيها توفير (ومنه سميت الدرجة الاقتصادية، في خطوط الطيران مثلا).
وتضيف قواميس أخرى تعبيرات ذات علاقة بالمعنيين الأول والثاني، مثل:
Management and use resources إدارة واستعمال الموارد.
بين المعاني اللغوية والشائعة والمعاني في اللغة الإنجليزية.
المعاني الشائعة الآن في المجتمعات العربية لكلمة ''اقتصاد'' تغلب عليها المعاني التي تدل عليها الكلمة الإنجليزية economy، والتي أوضحت سابقا، وهذه نقطة جوهرية. أما المعنى اللغوي الذي له صلة بالسلوك الاقتصادي بالمعنى الشائع فيدور حول القصد والاعتدال، وبالأخص في الإنفاق. ومن ثم يتبين أن المعنى الثالث في اللغة الإنجليزية لوحده هو ما يتلاءم مع هذا المعنى اللغوي، ورغم هذا التلاؤم، فإنه لا يمكن القول بأنه يتطابق (أقصد مع المعنى الإنجليزي الثالث). هناك تقارب بين المعنيين ولكن لا يمكن القول بوجود تطابق. وأما المعنيان الأول والثاني (في اللغة الإنجليزية) فبعيدان بعدا كبيرا عن المعنى اللغوي، ورغم ذلك هما معنيان شائعان لدى الناس. وكونهما مأخوذين من الغرب حديثا نقطة تخفى على البعض.
ثانيا: economics
بعض الكلمات في اللغة الإنجليزية تنتهي باللفظة اللاحقة ics لتعني علم أو دراسة أو معرفة كذا. ومن هذه الكلمات economics التي ترجمت إلى علم أو دراسة كيف يعمل الاقتصاد وكيف تتفاعل الأطراف أو اللاعبون (مثل المستهلك والمنتج والبائع والشركة والحكومة... إلخ) في الاقتصاد. ومن الأمثلة الأخرى، physics وتعني علم أو دراسة الطبيعة وstatistics وتعني علم أو دراسة الإحصاء. ولذا ينبغي ألا ننسى أننا أحيانا نقول – باللغة العربية - اقتصاد ونقصد علم الاقتصاد، ولكن المقابل الإنجليزي لكلمة اقتصاد economy غير المقابل الإنجليزي لعبارة علم الاقتصاد economics. كما ينبغي الانتباه إلى أن كلمة علم هنا لا تطابق معنى كلمة علم في عبارة مثلا علم الفقه.
الشائع اعتبار كتاب آدم سميث ''ثروة الأمم'' المنشور عام 1776، البداية الفعلية لوضع الاقتصاد (أو الوقائع الاقتصادية) تحت الدراسة والتحليل القائمة على وضع الفرضيات والسببية والتعليل واختبار الفرضيات، أي بحث الاقتصاد بمنهج البحث الساينسي scientific (التي ترجمت إلى علمي)، وظهور علم الاقتصاد (الحديث) فنا قائما بذاته. من المؤكد أن آدم سميث لم يكن أول من يكتب عن الاقتصاد بالمنهج الساينسي، حيث سبقته كتابات في الغرب نفسه، وفي حضارات أخرى، ومنها ما كتبه عدد من الأعلام المسلمين، ولكن جمهرة المؤرخين الاقتصاديين يرون أن كتاب آدم سميث ''ثروة الأمم'' هو أول كتاب في العصر الحديث يتصف بالأوصاف السابقة. وسواء كان الأول أو لم يكن، فليس لهذا تأثير على العلم نفسه، الذي كانت تسميته الشائعة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الاقتصاد السياسي political economy، وكانت التحليلات الرامية إلى فهم كيف يعمل الاقتصاد، آنذاك، مثلا علاقة عدد السكان بالإنتاج و علاقة عدد اليد العاملة برأس المال (غير البشري)، وتأثير زيادة كل عامل على تكلفة الوحدة الواحدة أو الإنتاج (الكلي أو الحدي)، أو الربح من كل وحدة منتجة، كانت التحليلات يشوبها مناقشات ذات طبيعة سياسية و/أو قانونية و/أو فلسفية، وهذا ليس بغريب، فكل علم من العلوم الحديثة شابت بداياته شوائب، ومن جهة أخرى، استند تأسيسه إلى تصورات وأفكار مأخوذة من علوم أخرى كالفلسفة. وبالله التوفيق.