اشتراطات البناء تحد من الإبداع

سيوافقني كثير من القراء على أن الإبداع ليس حكراً على أحد دون أحد، أو مجتمع دون مجتمع، والحاجة - كما يقال - أم الاختراع، ولولاها ما ظهرت المنتجات الذكية والمبدعة التي يسرت حياة البشر وجعلتها أكثر سهولة. وإذا منح مجتمعنا بأفراده ومؤسساته الفرصة فإنهم سيبدعون في كثير من المجالات؛ خصوصاً إذا ما عملنا على دعم الطموح وتشجيع التنوع في الأفكار والمهارات والقدرات. وأنا متأكد من أن إبداعات المجتمع السعودي ستظهر بشكل جلي في مجال توفير المساكن الميسرة؛ لالتصاقها بالحياة اليومية للمواطنين، وحاجتهم الملحة إليها، ولكن القيود التي تحد من عملية الإبداع في توفير المساكن الميسرة كثيرة، وعلى رأسها تنظيمات البناء، التي تشترط محددات تخطيطية أو تصميمية وتفرضها بعينها، وتلزم المصممين بتطبيقها عند تصميم الأحياء أو المساكن، وهو ما يؤدي إلى إنتاج نماذج محدودة من المساكن الكبيرة، وذات التكلفة التي تفوق متوسط المقدرة المالية لغالبية المواطنين؛ خصوصاً في المدن الكبرى، وتمنع - من ثم - ظهور النماذج الميسرة التي تفي باحتياجات الأسر وتتوافق مع مقدرتها المالية.
ويؤكد القائمون على تنظيمات واشتراطات تخطيط الأحياء السكنية، وتصميم المباني السكنية على أنها ما أوجدت – في الأساس – وطبقت إلا لضمان توفير السلامة والصحة للسكان، ومراعاة التوافق مع حجم ونوع الخدمات والمرافق الموفرة لهم، وتحديد نوع الوحدة السكنية المقامة على قطعة الأرض، وضبط حجم الكثافات السكنية في الأحياء. ولكنهم أغفلوا أن هذه التنظيمات والاشتراطات أصبحت حواجز تقف في وجوه الراغبين في تقديم حلول مبدعة لتوفير المساكن الميسرة ذات التكلفة المنخفضة، بل تجعل التفكير فيها ضرباً من المستحيل، فهي تشترط على سبيل المثال: أن مساحة قطعة الأرض السكنية يجب ألا تقل عن 300 متر مربع، ونسبة البناء على الأرض وتغطيتها لا تزيد على 60 في المائة، وتشترط ارتدادات للمبنى تراوح بين مترين وستة أمتار ويلزم تطبيقها، وتفرض عدداً محدداً من الأدوار لا يمكن تجاوزه، وعرضاً محدداً للمبنى على الشارع وعرضاً محدداً للشارع - يجب ألا ينقص عنه - للسماح ببناء وحدات سكنية صغيرة أو متلاصقة، وغيرها من الاشتراطات التي توجه المخطط أو المصمم المعماري إلى إنتاج نماذج إسكانية محددة بعينها، بدلاً من أن توضح له الأهداف العمرانية المطلوبة، وما يجب عليه اجتنابه لتحقيقها. فظهرت نتيجة لهذه الاشتراطات أو التنظيمات نماذج إسكانية ذات تكلفة مرتفعة - في الغالب - ولا توافق إمكانية غالبية السكان من ذوي الدخول المنخفضة أو المتوسطة.لذا يلزم المعنيين بتنظيمات بناء المساكن واشتراطات المخططات السكنية في وزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانات العمل على مراجعتها وربطها بخصائص الإسكان الناتج عنها من ناحية النوع والكم والتكلفة، ومدى توافق ذلك مع متوسط دخول المواطنين وإمكاناتهم المالية. ودراسة التأثيرات المتوقعة للاستمرار في تطبيقها من دون تعديل على توفير الطلب المستقبلي من الإسكان في المملكة. والعمل بشكل عاجل على إعادة صياغتها بما يحقق المتطلبات العمرانية، ويمكن المواطنين - في الوقت نفسه - من الحصول على المساكن الميسرة ذات التكلفة المنخفضة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي