التنمية العمرانية بين المنح والقروض والإسكان
منهج التنمية العمرانية في المملكة ببعض مكوناته جاء خلال مراحل النمو وفقا لمتطلبات تلك المراحل, فمع بداية التنمية الشاملة في المملكة التي تزامنت مع ثلاثة معطيات أساسية هي الخطط الخمسية للدولة التي بدأت مع بداية عام 1390هـ ثم الوفرة المالية التي جاءت مع منتصف التسعينيات الهجرية والانتقال شبه الكامل إلى الاستقرار السكاني في المدن الرئيسية بشكل خاص, هذه المراحل التنموية والظروف الاقتصادية جاءت معها رؤية في هذا المجال تمثلت في منح الأراضي للمواطنين لأسباب عديدة من أهمها توفير قطعة أرض لكل مواطن لإقامة مسكن عليها, والسبب الثاني هو نوع من الدعم الاقتصادي غير المباشر, بحيث يسمح لمالك المنحة أن يبيعها, وبهذا أصبحت ثقافة المنح جزءا من ثقافة التنمية العمرانية في المملكة خلال تلك السنوات ويتوازى معها وضع اليد على الأراضي ثم استخراج حجة استحكام عليها ثم التصرف المطلق فيها وهو ما عزز جعل الأرض في مفهوم التنمية العمرانية عنصر استثمار واستشراء ودفع بالعديد إلى الاعتداء على الأراضي لهذا الغرض والقصد.
بعد الوفرة المالية في منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الماضي جاءت فكرة صندوق التنمية العقاري كداعم لرحلة التنمية العمرانية, والصندوق يهدف إلى إعطاء قروض لبناء المساكن بمبالغ تتغير حسب المدن والقرى, وكان الهدف من ذلك مساعدة المواطنين على توفير المساكن وفقا لمتطلباتهم وأذواقهم التصميمية, ومن خلال منح الأراضي والقروض الإسكانية انتشرت التنمية الإسكانية في كل المدن والقرى السعودية خلال فترة وجيزة تعد في عرف النمو العمراني معجزة غير مسبوقة, ومع أن هذين المنهجين تم الاتفاق والاختلاف معهما, خصوصا في ظل غياب توفير المرافق والخدمات التي تشمل السفلتة وتوفير المياه والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الدينية والتعليمية والصحية ومراكز للشرطة والدفاع المدني والتي تم تخصيص مواقع لها في غالبية المخططات ولكنها لم تنفذ بالتزامن مع تنفيذ المساكن, ومن هنا جاءت مشكلة استمرار الحفر والردم في الشوارع حتى اليوم وبقاء عديد من أحيائنا السكنية تحت الإنشاء لمدة تزيد على 40 عاما.
منح الأراضي وقروض صندوق التنمية العقاري تجربتان قدمتا دفعة قوية لمرحلة تنموية مهمة لكل مدن المملكة وقراها, هذه التجربة كانت تحتاج إلى أن تندمج مع المرحلة الحالية من إنشاء هيئة عامة للإسكان, بمعنى أن هيئة الإسكان المطلوب منها تقديم مشاريع إسكانية متكاملة المرافق والخدمات ومساكن وفقا لأفضل المعايير التصميمية والإنشائية العالمية مع مراعاتها الهوية العمرانية والمعمارية المحلية لكل جزء جغرافي من أجزاء المملكة.
الهيئة العامة للإسكان, هيئة تهدف إلى توفير المسكن الملائم للمواطن السعودي وفقا لضوابط معتمدة, الهيئة المفترض أنها تقوم مقام منح الأراضي للمواطنين وتعمل من خلال فكرة صندوق التنمية العقارية, بمعنى أن يتم إيقاف منح الأراضي بكل أشكالها ومساحاتها وإلغاء فكرة صندوق التنمية العقاري وتوحيد هذه الجهود مع جهود جهات أخرى نحو تحقيق أهداف إنشاء الهيئة العامة للإسكان بما يضمن ترشيد التصرف في الأراضي وفي الوقت نفسه يرتقي بالتنمية العمرانية في بعدها الإسكاني بحيث يتم القضاء على مظاهر التشتت والبعثرة العمرانية الحالية .
إن متطلبات المرحلة الحالية والمقبلة في مجال التنمية العمرانية يتطلب تضافر الجهود, وفي الوقت نفسه توحيدها بما يضمن تعظيم الفائدة المرجوة من دور الهيئة العامة للإسكان في تحقيق تطلعات القيادة السعودية, وفي الوقت نفسه رغبات المواطنين في الحصول على المسكن الملائم الذي يضمن لهم الاستقرار الأسري والطمأنينة النفسية, لأن توافر المسكن راحة نفسية كبيرة, خصوصا لقليلي الدخل ومن في حكمهم, كما أن متطلبات التنمية المستقبلية تتطلب حماية الأراضي وعدم التصرف فيها بما يضعف ويقلل توافرها لتنفيذ المشاريع التنموية المختلفة.
وقفة تأمل
دعوا الوشاة وما قالوا وما نقلوا
بيني وبينكم ما ليس ينفصل
لكم سرائر في قلبي مخبأة
لا الكتب تنفعني فيها ولا الرسل
قضيتي في الهوى والله مشكلة
ما القول ما الرأي ما التدبير ما العمل
يزداد شعري حسنا حيث أذكركم
إن المليحة فيها يحسن الغزل
فيا رسولي إلى من لا أبوح به
إن المهمات فيها يعرف الرجل