منع النقاب بعد منع الحجاب! (2 من 2)
لا تزال قضية منع ارتداء الحجاب في التعليم تثير جدلاً واسعًا ليس فقط في المجتمع الفرنسي، بل أيضًا في دول غربية أخرى مثل كندا وألمانيا وبلجيكا، التي منع الحجاب في 90 في المائة من مدارسها. ولا ننسى الجدل الذي أثاره انضمام أول نائبة بلجيكية محجبة من أصل تركي، وهي ماهينور أوزدمير، إلى البرلمان، والذي لقي أصداء واسعة في الصحف الفرنسية والبلجيكية.
بيد أنه من الملاحظ أن هذا الجدل يأخذ في فرنسا أبعادا أكثر حدة عنه في بلجيكا، كما تعكسه التقارير الواردة في بعض صحف البلدين. وقد زاد من حدة هذا الجدل في فرنسا ـ كما ذكرت ذلك في مقالتي السابقة ـ تصريح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى أن النقاب «غير مرحب به في الأراضي الفرنسية»، وأن ارتداء المرأة له يعد مظهرا من مظاهر الاستعباد. ففي الوقت الذي تؤيد فيه غالبية آراء المسؤولين في فرنسا مشروع سن قانون بشأن منع ارتداء النقاب، تميل وجهات النظر البلجيكية أكثر إلى أن ارتداء العلامات الدينية أمر يعود إلى حرية الفرد الشخصية.
فهل هي حملة أوروبية كما يرى بعض المراقبين في مسلسل الاعتداء على الحجاب الإسلامي وارتدائه في فرنسا على وجه الخصوص؟, وأخيرا جاء دور طرح مشروع لمنع المسلمات في فرنسا من ارتداء النقاب الذي صفق البرلمانيون الفرنسيون لرأي رئيسهم الذي يرى أنه نوع من العبودية وأنه إهانة للإنسانية! وأن النقاب غير مرحب به وأنه يمس كرامة المرأة. ولا أستطيع أن أفهم كيف يعتبر النقاب مساسا بكرامة المرأة؟ إذا ماذا يسمي هذا الرئيس أفعال المنتسبات إلى نادي العراة في مجتمعاتهم؟
ونجد رأيا أسخف من السابق وهو رأي البرلماني الشيوعي أندريه جيران في النقاب: (أن هناك أناسا في هذه البلاد يمشون في سجون محمولة)! وكنت أتمني أن أجد تفسيرا واحدا كي نفهم إذا كان النقاب نوعا من العبودية, فماذا نسمي قتل الملايين من مسلمي الجزائر بيد المحتل الفرنسي؟ إلا إذا كان يرى أن عبودية النساء المسلمات للخالق هي الأهم بالهجوم والتنديد؟
بالطبع أتوقع من الطابور الخامس بيننا أن يدافع عن هذا الرأي للرئيس الفرنسي، ويعتبر أن المقارنة بين الموقفين غير منطقية! خصوصا أن هناك خنوعا نفسيا أجده في بعض الكتابات حول هذه القضية المصيرية للمسلمات في فرنسا في صحافتنا هنا وبعض المواقع الأخرى التي لا تجد ذاتها إلا تحت أقدام الاستعمار الفكري!
هنا يجيء استفسار آخر ما رأي الرئيس الفرنسي, والبرلماني أندريه جيران في انتشار الشذوذ في مجتمعهم وحقوق الشاذين الذين يمارسون ما يصدم الناموس الكوني والطبيعة البشرية الإنسانية ويتسببون في الأمراض الوبائية؟ ألا يعتبرهم نوعا من الوباء ويستصدر قوانين تحمي المجتمع من أمراضهم؟
أم أن هناك منظمات حقوقية ستحمي هؤلاء الشواذ وربما تتسبب في انحسار دوره الرئاسي؟ والمسلمات في فرنسا لا توجد منظمات لحمايتهن من هذا الإجحاف في حقوقهن في دولة ترفع شعار العلمانية التي يقال إنها تحمي حريات الأفراد؟
ومن متابعتي خلال الأيام التي تلت هذا الرأي السخيف والاستعراضي وجدت أن هناك تبريرات له بأنه نوع من الاستعراض السياسي للفت الانتباه والأضواء التي يقال إن الرئيس الأمريكي سرقها منه بخطابه في مصر! والذي أرى أنه كان استعراضيا أيضا. وهناك من رأي أن توقيت هذا التصريح لساركوزي محاولة لصرف الأنظار عن المشكلات الاجتماعية الداخلية التي تعرفها فرنسا.
من جانبها اعتبرت منظمة (ائتلاف مقاومة الإسلام فوبيا الفرنسية) أن إثارة قضية البرقع والنقاب في فرنسا تغطية على المستهدف الحقيقي، وهو «حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب في الأماكن العامة». وشدد سامي دباح الناطق باسم هذه المنظمة على أن هذا الإجراء خطير جدًا ويجب الوقوف في وجهه بحزم. وأضاف: (ليس الأمر خطيرًا ومعاديًا للمسلمين فحسب، بل إنه خطير بالنظر إلى أنه يخون حيادية الدولة أمام المعتقدات والحريات العامة والخاصة).
وأجدني أتفق معه في أن «المقصود الحقيقي من هذا الإجراء ليس النقاب في حد ذاته، ولكن المرأة الفرنسية المحجبة بشكل عام ومزيد من التضييق عليها ومنعها من أن تمارس حياتها بشكل طبيعي في الفضاء العام».
أما الشيخ ضو مسكين الأمين العام للمجلس الفرنسي للأئمة (الذي يضم نحو 400 إماما) أكد أنه (حتى لو لم يكن هناك أمر شرعي بارتداء النقاب والبرقع فإن هذا لا يعني أننا نساند الذين يريدون سن قانون من أجل منعها في الشارع الفرنسي؛ لأن ذلك يتعلق بخرق لمبدأ علمانية الدولة وحرية الأفراد في اختيار لباسهم).
إن هذا الرأي وهذه الحملات الممنهجة التي يتم تمريرها قانونيا في الدول العلمانية التي تنادي بالحريات اللامحدودة ولكنها تضيق على المسلمات في حجابهن ونقابهن وهن مواطنات فرنسيات لهن حقوق مثل بقية المواطنين هي كما قال حسن شلغومي رئيس المنتدى الفرنسي للأئمة واتفق معه فيها الأمين العام للمجلس الفرنسي للأئمة , ورئيس منظمة ائتلاف مقاومة الإسلام فوبيا الفرنسية: أنها رغبة ضمنية وبعيدة المدى من أجل منع الحجاب في الفضاء العام وراء الضجة المثارة حول البرقع والنقاب وإثارة قضية الحجاب من جديد وبالتالي التضييق على المسلمات».
أما شريف عبد العزيز فقد عبر عن آراء الأغلبية إن لم يكن الجميع من المسلمين في (أن مسلسل الإهانات طال كل الثوابت والمقدسات والقيم والمبادئ والشعائر، من رأس الأمة وسيد البشرية محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلى نصوص القرآن، والصحابة والعلماء والمناسك، وبنود الشريعة، والحجاب والحدود، والنظم الاجتماعية، والتعاليم الإسلامية، وأنصبة المواريث والشهادات، ودس أعداء الأمة أنوفهم في كل شيء يخص الأمة الإسلامية، في عدائية فاضحة للإسلام وأهله، لا يجرؤون على عُشر معشارها مع اليهود الذين أقاموا كيانهم الغاصب علي أساطير المحرقة النازية والاضطهاد الديني لهم، حتى أصبح من ينكر وجود المحرقة أشد جرماً وإثماً من منكر الخالق نفسه عز وجل.
ساركوزي لم يهاجم النقاب كما فعل سلفه شيراك، بل تمادى في مهاجمة الدول والجماعات التي تحرص نساؤها على ارتدائه، واصفاً إياهم بالتخلف والاستعباد، أي أنه فاق سلفه في مهاجمة الإسلام والمسلمين في بلاد بعينها، وهي بلاد الخليج وغيرها، التي تنعم بنوك بلاده بأرصدة عديد من هذه الدول، وتقوم صناعات ضخمة في بلاده على استثمارات هذه الدول وعوائد النفط فيها، خاصة صناعة السلاح والطيران المدني، والتي تستورد من هذه المصانع بعدة مليارات سنوياً. نسِي أو تناسي كل هذه المنافع التي تعود على بلاده من علاقاتها الاقتصادية المتينة مع هذه الدول، وراح يكيل لها ولدينها، ولرجالها ونسائها والنظام الأسري والاجتماعي فيها، السباب والشتم والقدح، غير مبالٍ بغضبة العرب والمسلمين؛ لأنه وبمنتهي الصراحة لا يقيم لهم وزناً، ولا يحسب لهم حساباً، فهو يعلم علم اليقين أن رد الفعل لن يتجاوز الشجب والإدانة من بعض الأطراف غير الرسمية).
*** ما استغربه أن الناشطات لحقوق المرأة لم نسمع لهن صوتا الآن! بينما ارتفعت أصواتهن للمطالبة بمنع ولاية الأب على بناته والمساواة في الميراث, وإلحاق نسب اللقيط باسم أمه! فهل نحن مقبلون على مرحلة جديدة من الخنوع والأمر يمس الدين والتشريعات الإسلامية؟