منع النقاب بعد منع الحجاب! (1 من 2)

بعد خمسة أعوام من إصدار قانون العلمانية في فرنسا، الخاص بمنع ارتداء العلامات الدينية في المدارس، ومنع الحجاب على وجه الخصوص, وهو مؤشر سياسي لحجب الحريات التي يقال إن الثورة الفرنسية وما يقال إنه (عهد التنوير) في تاريخها قد أرسى قواعد الحريات والمساواة والعدالة. كما يردد دائما ونجد بيننا من يردده وهو لا يعرف في الواقع فحوى هذه المساواة التي يتحدثون عنها فإن كانت في جانب قد حققت عدلا لمساواة الأجراء في إقطاعيات النبلاء والقساوسة الذين كانوا يمتلكون الأرض ومن عليها, إلا أنها لم تحقق العدالة الحقيقية للجميع فظلت الاستثناءات موجودة في ضمير ذلك المجتمع اللاديني, وهي التي نجد آثارها إلى الآن في تربة الدول الإسلامية التي احتلتها فرنسا وعاثت فيها فسادا, وإفقارا, وتنصيرا, وتجهيلا, وسرقة لثرواتها وخيراتها, وبعد 180 عاما اضطرت إلى التخلي عنها بعد أن حولتها خرابا كي تعاني في بناء اقتصاداتها!
هذه هي فرنسا التي يتشدق البعض من الطابور الخامس في مجتمعاتنا العربية بأنها أرض التنوير والثقافة!هذه هي فرنسا الآن تضع قيودا على المسلمين في أرضها سواء كانوا فرنسيين مسيحيين ثم أسلموا أو مسلمين عاشوا فيها وأصبحوا جزءا من شعبها. في الأسبوع الماضي عندما تقدم 60 نائبا في البرلمان الفرنسي بطلب لتكوين لجنة تحقيق لدراسة ظاهرة انتشار النقاب والبرقع في فرنسا، صرح النائب البرلماني أندريه جيران، صاحب فكرة هذا الاقتراح، لصحيفة ''لوفيجارو'' بأن النقاب لم يعد يتعلق بمجرد التعبير عن مظهر ديني وإنما بالإساءة إلى كرامة المرأة التي تعيش داخل هذا ''السجن المتنقل''، مضيفا ''إننا لا يمكننا في الأساس احتمال رؤية هؤلاء النساء السجينات في إيران وأفغانستان والسعودية.. وهو بالتالي أمر غير مقبول على الإطلاق على أرض الجمهورية الفرنسية''.
ونقلت مجلة ''الإكسبريس'' رأي بعض الوزراء مثل وزير التعليم السابق كزافيه داركوس، الذي أصبح وزير الشؤون الاجتماعية في التعديل الوزاري الفرنسي الأخير، والذي يرى أن ارتداء النقاب أو البرقع نوع من ''القهر''، قائلا إن مجرد تصور، ولو لمدة ثانية، صورة فتاة تذهب إلى المدرسة مرتدية النقاب لهو كابوس بالنسبة له.
ويؤيده في الرأي بيير لولوش، المبعوث الخاص لفرنسا في أفغانستان وباكستان، الذي يعتقد أن ارتداء النقاب إهانة لحقوق المرأة، وأنه إذا كان يحارب كل يوم في سبيل حصول المرأة على حقوقها في أفغانستان، فمن الطبيعي أن يتمنى أن تمتلك كل نساء فرنسا حقها في جسدها وشخصيتها.
أما فاضلة عمارة، وزيرة الدولة لشؤون المدن، فقد أيدت سن قانون لمنع ارتداء النقاب والبرقع في حوار لها في صحيفة ''لوباريزيان'' الأسبوع الماضي، مشبهة هذا الحجاب الذي يغطي جسد المرأة بأكمله ''بالنعش الذي يقتل الحريات الأساسية''.
لا أعرف ما آراؤهم في اللاتي يتعرين؟ ويلبسن شبه الملابس خصوصا في ظل الموضة الجديدة التي لا تحجب سوى أجزاء قليلة من جسد المرأة؟ أو اللاتي يظهرن ملابسهن الداخلية من تحت البنطال؟ ألا يعتبر هذا انسلاخا من الآدمية؟ أم أن هذا التعري هو (حرية شخصية وتقدم وتحرر) وأن الحجاب الشرعي للمسلمات هو (نعش يقتل الحريات الأساسية) كما تقول هذه المأفونة في عقلها؟ أو كما يقول الرئيس الفرنسي ساركوزي إن النقاب رمز لاستعباد المرأة؟ الذي زعم أمام البرلمان الفرنسي يوم الإثنين 29 جمادى الآخرة الموافق 22 حزيران (يونيو) الحالي أن: ''المشكلة في البرقع هو أنه ليس مشكلة دينية .. إنه مشكلة متعلقة بحرية المرأة وكرامتها .. إنه ليس رمزاً دينياً، بل مؤشر على الاستعباد.. ومؤشر على التخلف.. أريد أن أقول إن البرقع غير مرحب به في فرنسا''.
وأضاف ساركوزي: ''لا يمكننا أن نقبل في بلادنا أن تقبع النساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن الحياة الاجتماعية ومحرومات من أي هوية.. هذه ليست الفكرة التي لدينا عن كرامة المرأة''.
وحث الرئيس الفرنسي البرلمان على التوسع في النقاش حول الحجاب، فيما طلب أكثر من 50 نائباً، معظمهم من حزبه، على اعتبار أن الرداء الإسلامي للمرأة، المتمثل في الحجاب الكامل، يشكل تهديداً لقيم علمانية الدولة الفرنسية والمساواة بين الجنسين.
وبعد الخطاب، حذر النائب اليساري، جان بيير شوفنمان، من أن الموضوع صعب لأن القانون الفرنسي يحمي حرية ارتداء الملابس في الأماكن العامة، لكنه أشار إلى أن البرقع يتعارض مع المبادئ الفرنسية بشأن المساواة بين الجنسين! وكما تذكر التقارير أن ساركوزي, الذي زار مصر برفقة عشيقته بعد طلاقه زوجته, بطرحه هذا الأمر علنا، يكون أول رئيس فرنسي يخوض في قضية خاصة ومحددة أمام البرلمان منذ ما يزيد على 100 عام.
هذه القضية ليست الأولى في الهجوم على الإسلام والمسلمات تحت ستار (الحريات الشخصية) ولن تكون الأخيرة طالما أننا نصمت ونبتلع الإهانات التي تتعلق بتشريعاتنا لأننا نريد حوارات الآخر ونريد أن نظهر الوجه المضيء للإسلام!
ننسى أننا نتعامل من أناس يحملون إرثا حضاريا يرفض الإسلام دينا وعقيدة ومنهاج حياة, وعودوا إلى نداءات صموئيل هنتجتون في مؤلفه ''صراع الحضارات'' كأقرب أنموذج في التاريخ المعاصر الذي حدد في نقاط (أن دول العالم الثالث لا يمكن أن تصبح غربية, حتى إن أرادت ذلك, بسبب طبيعة الروح الحضارية فيها, وقد أنتجت هذه الحضارة حركات محلية دينية وغير دينية تناصب العداء للغرب, وبخاصة الحضارة الإيرانية, ما يجعل العلاقة بين الحضارات المعاصرة خلال العقود القادمة بالصراع وليس بالتعاون) . ويرى هنتجتون أن على الحضارة الغربية نتيجة لذلك أن تتوقف عن التعاون مع هذه الحضارات المعادية – كما يقول - !! وبخاصة في مجالات النزاعات المحلية في الدول النامية ولا تصدر لها التكنولوجيا الحديثة! وأن تركز الحضارة الغربية على توحيد الغرب اقتصاديا وسياسيا, ومنع اختراقه من أي دولة من دول هذه الحضارات, وتطوير الإمكانات العامة في الحضارة الغربية ماديا وروحيا, وهي الإمكانات التي أعطت الحضارة الغربية تفردا وتميزا لم تحققه أي حضارة قديمة أو حديثة أو معاصرة! ويؤكد أن المسؤول عن تخلف هذه الدول – من وجهة نظره – ليس الاستعمار أو التبعية وإنما يكمن في الشخصية القومية أو الحضارية فيها وخاصة فيما يتعلق بتقبلها التطور والتحديث. ويختم أطروحاته الغريبة بأن حضارات الدول النامية غالبا ما تقف موقف عداء من الحضارة الغربية السائدة!
في هذه العبارات نجد الكمون العدائي لحضارة الإسلام ووصفها بعدة خصائص وتجريد حضارة الغرب من كل موقف عدائي للإسلام! وتركيزه على الشخصية القومية أو الحضارية للمسلمين, ومن هنا نجد أن هذه الهجمات المتكررة على المسلمين ابتداء من احتلال أراضيهم وتشريدهم سابقا والآن, ومن الاستهزاء بمكانة سيدنا وحبيبنا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - والتي إلى الآن لا تزال مستمرة تحت شعار (الحرية)! ومن الاعتداء على حرية المسلمات في ارتداء حجابهن أو النقاب, بل التطاول على شريعتنا وسيادتنا هنا في المملكة العربية السعودية حسب نعيق النائب البرلماني أندريه جيران ''إننا لا يمكننا في الأساس احتمال رؤية هؤلاء النساء السجينات في إيران وأفغانستان والمملكة العربية السعودية.. وهو بالتالي أمر غير مقبول على الإطلاق على أرض الجمهورية الفرنسية''. هي أحد تطبيقات نصائح هنتجتون وتجسيد للإرث التاريخي العدائي للإسلام وللمسلمين وليس فقط كما يقال نوع من الهروب عن الوضع الاقتصادي المتدني في فرنسا.
إذا القضية لن تتوقف عند منع المسلمات في فرنسا (حقهن في الحجاب والنقاب) بل ستمتد إذا استمر صمتنا إلى ما هو أبعد من ذلك! ولا أعرف أين صوت منظمة المؤتمر الإسلامي واتحاد العلماء المسلمين وهيئات حقوق الإنسان من هذا التطاول على شريعتنا وحياتنا نحن المسلمات؟
** من المستغرب له أن بعض من كتب هنا يبرر لهذا القرار القاتل للحريات الدينية, كعادة الإمعة!سيصعق عندما يقرأ آراء مواطنين فرنسيين عاديين في هذه القضية نشرتها صحيفة ''لوموند'', قولهم إن معظم شهادات النساء المسلمات هناك تؤكد أن أحدا لم يجبرهن على ارتداء النقاب، ولكنهن اخترن ذلك بمنتهى الحرية. وكان تعليق أحد المواطنين الفرنسيين الذي يعارض قرار حظر النقاب لأن ''حفنة النواب الذين يروجون له سيجبرون بالتالي من ترتديه على المكوث في المنزل، مثلما سبق وأجبروا فتيات صغيرات على البقاء في البيت بدلا من الذهاب إلى المدرسة، بسبب منع ارتداء أي علامات دينية في المدارس''، قائلا ''يبدو أن الحرية في فرنسا هي ملك للجميع.. إلا المسلمين''!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي